بازگشت

اسمائکم في الأسماء


ولکن حيث أنّه لم تکن لجميع هذه الأسماء علاقة بمقام الخلافة الإلهيّة نجد أنَّه تعالي يعرض قسما مميَّزاً منها خاصَّة أعني مسمَّياتها ومصاديقها وبطبيعة الحال کانت لتلک المُسميّات علاقةً بالمهمِّ أعني الخلافة التِّي کان سبحانه بصدد إفهامها للملائکة لغرض توجيه خلق آدم عليه السلام.

أنظُر إلي هذا التعبير وتأمّل في کلمة(ثم) في قوله تعالي:(ثمَّ عرضَهم علي الملائکة). [1] .

فإنها قد فصَّلتْ بين جميعِ الأسماء وبين التّي عُرضَتْ علي الملائکة. وتأمَّل أيضاً في الضمير(هم) فإنَّه لو کانت الأسماء هي المعنيَّة والمعروضة عليهم دون المسمَّيات أو کانت تعني المسميات التِّي لا تمتلک التعقُّلَ لکان التعبير الصحيح هو(عَرضَها) لا(عَرضَهُم).

وأصرح من ذلک قوله تعالي:

(فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن کنتم صادقين) [2] .

فهل يحتمل من يعرف ألف باء اللغةِ العربيةِ أنَّ کلمة هؤلاء تعني الموجودات من الجبال والشعاب والأودية والنبات والشجر بأصنافها؟!.

أقول:

بل إنَّما هي أسماء من سيَأتون علي الأرض من ذريَّة آدم الذين هم محلّ الاحتجاج والنزاع وبوجود تلک الذرِّية يمکن تبرير خلق آدم عليه السلام وجعله خليفة في الأرض، وبهم تُجبَر جميعُ المفاسد التِّي سوف يرتکبها بعضُ أولاد آدم عليه السلام ولا يخفي أنَّ کلمة هؤلاء تدلُّ علي حضورهم بعينهم آنذاک وهم بعرشه محدقين.

ولعلَّ قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة الکبيرة وأسمائکم في الأسماء إشارة إلي هذه الحقيقة حيث کانت أسمائهم في الأسماء التِّي علَّمها الله آدم عليه السلام.

ثمَّ إنَّه علي ما ذکرناه يمکننا معرفة ما تروم إليه الأحاديث المتظافرة في هذا المجال، ورعاية للاختصار نذکُر بعضها:

ذکر العلامة المجلسي رحمه الله في البحار عنواناً في مساواة علي عليه السلام مع آدم وإدريس ونوح عليهم السلام نقله عن کتاب مناقب آل أبي طالب، ومن جملة ما ذکر الروايةَ التالية:

(بإسناده عن علي عليه السلام قال النبي صلي الله عليه وآله: يا علي أنت بمنزله الکعبة تُؤتي ولا تأتي، آدم باع الجنة بحبّات حنطة فأُمر بالخروج منها قلنا اهبطوا منها جميعا وعليٌ اشتري الجنة بقرص فأُذن له بالدخول فيها وجزاهم بما صبروا جنة، علم آدم الأسماء کلها وکان اسم علي وأسماء أولاده عليه السلام فعلَّم اللهُ آدم أسماءهم) (بحار الأنوار ج 39 ص 48 رواية 15 باب73)

وفي کتاب الإحتجاج للطبرسي:

(عن أبي محمَّد العسکري عليه السلام.... فقال رسول الله وهل شرفت الملائکة إلا بحبِّها لمحمَّد وعليٍّ وقبولها لولايتهما انه لا أحد من محبِّي عليٍّ عليه السلام نظف قلبه من قذر الغش والدغل والغل ونجاسة الذنوب إلا کان أطهر وأفضل من الملائکة، وهل أمر الله الملائکة بالسجود لآدم إلا لما کانوا قد وضعوه في نفوسهم إنه لا يصير في الدنيا خلق بعدهم إذا رفعوهم عنها إلا و هم يعنون أنفسهم أفضل منهم في الدين فضلا و أعلم بالله و بدينه علما، فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطئوا في ظنونهم واعتقاداتهم فخلق آدم و علمه الأسماء کلَّها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها، فأمر آدم أن ينبئهم بها و عرفهم فضله في العلم عليهم، ثم أخرج من صلب آدم ذريَّة منهم الأنبياء والرسل و الخيار من عباد الله أفضلهم محمَّد ثم آل محمَّد، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمَّد وخيار أمه محمَّد، و عرف الملائکة بذلک أنهم أفضل من الملائکة إلي آخر الحديث...) [3] .

والرواية التالية المنقولة في الکافي خير شاهد علي ذلک:

(عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: أن الله مثَّل لي أمتي في الطين و علمني أسماءهم کما علم آدم الأسماء کلها فمرَّ بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي و شيعته أن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل يا رسول الله و ما هي قال المغفرة لمن آمن منهم..) [4] .

أقول:

الظاهر أن قوله عليه السلام(علَّمني أسمائهم) ثم تشبيهه صلي الله عليه وآله هذا التعليم بتعليم آدم عليه السلام الأسماء کلّها يدلُّ علي أنَّ الأسماء التِّي علمَّها الله آدم عليه السلام ليست هي أسماء الجمادات والنباتات والحيوانات فقط بل هي شاملة للإنسان أيضاً.


پاورقي

[1] البقرة 31.

[2] البقرة 31.

[3] بحار الأنوار ج 11 ص 137 رواية 1 باب 2، ج 21 ص 227 رواية 6 باب 29، ج 26 ص 338 رواية 4 باب 8.

[4] الکافي ج 1 ص 443 رواية 15.