اقناع الملائکة
وکيف أجابهم الله جلَّ شأنه؟
(..قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة/30).
فلم يُنکر سبحانه تلک الأمور أعني الإفساد في الأرض وسفک الدماء کظاهرة سوف تصدر من هذا البشر بل الظاهر أنَّه قد قرَّرها، ولکنه سبحانه بيَّن للملائکة أنَّهم جاهلون بما يعلمه هو.
وهاهنا يتوجَّه سؤال وهو: ماذا کان يعلم الله سبحانه وتعالي؟ هذا ما سيتبيَّن من خلال البحث. قال سبحانه:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ کُلَّهَا..) (البقرة/31).
هناک ارتباط وثيق بين الإسم والمُسمّي بحيث کلما يذکر الاسم وکأنَّ المُسمي قد حضر لدي السامع، لأنَّ الاسم ليس هو إلاّ مرآة للمسمَّي ولهذا قالوا أنَّ وجود الاسم هو وجود المسمي أو بالأحري تنزيل للمسمّي وتجلٍّ له ولهذا نشاهد انتقال الجمال والقبح من المسمَّي إلي الاسم.
وعلي ضوء ذلک أقول:
إنَّ الله سبحانه قد علَّم آدم الأسماء کلها وذلک بدليل الآية المبارکة حيث التأکيد بـ(کلِّها) مضافاً إلي الجمع المحلَّي باللاّم الدال علي العموم، وهذه الأسماء کلَّها کاشفة عن المُسمَّيات العينية الخارجية فهي کانت حقائق لم يتيسَّر للملائکة الوصولُ إليها ولم تعرف الملائکة أسمائها من قبل أن ينبأهم آدم بأهمِّها التّي کانت مستوعبة ومخيِّمة علي سائر الأسماء کما سنبيِّن ذلک. والأحاديث المبيِّنة لتلک الأسماء تتلخَّص في طوائف ثلاثة:
الأوَّل:
(عن الفضل بن عباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله عز وجل وعلم آدم الأسماء کلها ما هي؟ قال: أسماء الأودية والنبات والشجر والجبال من الأرض) (بحار الأنوار ج 11 ص 471 رواية 19 باب2).
الثاني:
(عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن قول الله وعلم آدم الأسماء کلها ماذا علمه قال الأرضيين والجبال والشعاب والأودية ثم نظر إلي بساط تحته فقال و هذا البساط مما علمه) (بحار الأنوار ج11 ص147 رواية18 باب2)
الثالث:
(عن داود بن سرحان العطار قال کنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدعا بالخوان فتغدينا ثم جاءوا بالطشت والدست سنانه فقلت جعلت فداک قوله وعلم آدم الأسماء کلها الطست والدست سنانه منه فقال الفجاج والأودية وأهوي بيده کذا وکذا) (بحار الأنوار ج11 ص147 رواية20 باب2).