بازگشت

علامات الظهور في بعدها العقائدي


علامات الظهور من المفردات التي تناولتها الکتب الحديثية والتفسيريةبمساحة واسعة وفي مجالات مختلفة، والتي تکشف بدورها عن مدي ضخامة وحجم الاهتمام الذي کان يوليه النبي صلي الله عليه وآله والأئمة من بعده الي هذه المسألة، وما تحملها من دلالات وأبعاد، لذا جاء الحديث عنها مفصّلاً مما دفع بالمسلمين أن يدوّنوها بعناية فائقة.

ثم إن علامات الظهور تعني الکلام عن أحداث مستقبلية لم تحدث إلّا بعد حين کلام المعصوم ولم تکن من الکلام الظرفي الذي يهتم بشؤون الأشخاص، وإنّما هي حديث عن معاناة الاُمة وما يصيبها من آلام في حياتها ومستوي الکلام فيها ذا منحي عقائدي مندک في صميم الرسالة.

وبمعني آخر أن علامات الظهور ماهي إلّا إخبارات عن حوادث غيبية ومنعطفات تاريخية ستقع في المستقبل سواء کانت تلک الحوادث کاشفة عن ضعف في حياة الاُمة أو عن قوة فيها والروايات في علامات الظهور وإن اختلفت وتعددت إخباراتها فهي تبقي تدور حول الرمز والشخص الذي يمثل المحور في حرکتها الذي نعتته الإخبار بالمهدي المنتظر.

والملاحظ لتراث النبي والأئمة يجده وإن اتسع لأکثر من کونها علامات تتحدث عن وقائع عامة تصيب الاُمة بعد النبي إلّا أن التکريس حول المحور الأساسي - المهدي عليه السلام - في تلک الأحاديث کان له الحصة الأکبر وکأن حرکة التاريخ وأحداثه العالمية کلها تدور حول هذا العنصر الأساسي، وبالنتيجة فإن تلک الإخبارات التي دُرجت تحت عنوان علامات الظهور، إذا لوحظت من هذه الوجهة نري فيها شخص المهدي وعقيدته ودولته وشريعته، الأمر الذي يؤکد الصلة في التخطيط الإلهي، الذي أسسه صاحب الرسالة النبي صلي الله عليه وآله من خلال الإخبارات التي تشير الي إنجازات المهدي ذات الصبغة الإسلامية في الخلافة ومستقبلها وإنسجام إنجازات الإمام المهدي ذات الصبغة الإسلامية مع ذلک التأسيس الإسلامي.

وهذا الجهد الاستثنائي والمميز الذي أعدته الرسالة لعلامات الظهور قد يترک أثراً بالغاً في ثقافة الاُمة وحرکتها السياسية منها:

1 - إن علامات الظهور والحديث عن الإخبارات المستقبلية، أو قل الإخبارات عن آخر الزمان کان له عمقه التاريخي حيث تناولتها الثقافة اليهودية وکذا المسيحية، فلا غرابة في أن تتناوله ثقافتنا الإسلامية الخاتمة. فإذا کانت اليهودية توظّف البشارات لصالح أغراضها السياسية والاقتصادية في صراعها مع المشرکين في المدينة وتطبق سياسة الانتقاء للنصوص الشريفة بما يوافق مصالحها الدنيوية، فنجد الرسالة الإسلامية قد أعطت بعداً آخر للتوظيف أوسع دلالة واستهدافاً، حيث ساهمت علامات الظهور في رسالتنا في وعي الاُمة وتربيتها حيث بيّنت للاُمة أنّ مصيرها هو التمکن في الأرض وقدرتها علي أنها خير الاُمم وأنها الاُمة التي سينتصر بها اللَّه لدينه.

ومنحت وعياً تفسيرياً لحاضر الاُمة بما يؤهلها أن تختار المواقف المثلي ليکون مستقبلها منسجماً مع ذلک التخطيط وذلک الهدف.

2 - علامات الظهور تناولتها الکتب السنّية أکثر من الکتب الشيعية وقد خصص لها کتب مستقلة وهذا ما يکشف عن مدي إهتمام الرسالة والغرض الذي توليه لهذه المسألة، فاذا کان من الضروري أن تمرّ الاُمة بظروف ظالمة يضطر فيها إمام الزمان للاختفاء، وممارسة دوره الاصلاحي من خلال هذا الاستتار، يأتي هنا دور الفائدة التي تمنحها علامات الظهور في ثقافتنا الإسلامية للإنسان المنتظر من أجل أن يتدارک مستقبله من خلال هذا الوعي ويتفادي الأحداث المخبر عنها ضمن منظومة علامات الظهور أي الحوادث والظواهر التي تسبب في ضياع الاُمة ودخولها في مطبّات تؤخر مسيرتها وهذا التفسير لا مانع من قبوله فيما لو قلنا بأن التفادي يستهدف الحوادث التي لم تثبت حتميتها. وهذه هي المساحة التي يتحرک فيها الانسان الذي يعني حرکة التاريخ بهذا التصوير، باعتبار أن الظواهر الاجتماعية تخضع لقانون العلية الذي لا يمنع من دخول الإرادة الإنسانية حين تکون هادفة في وعيها وحرکتها حين تختار الموقف الأفضل.

3 - توفر علامات الظهور مزيداً من وعي الاُمة برسالتها حيث تدرک بأنها لم تک رسالة طارئة أو محصورة بمکان معين، بل هي رسالة ممتدة لا الي المجتمعات کلها فحسب، بل حتي الي الکون کله فالمجتمع والکون يسيران بنسق واحد فعلامات الظهور التي تتحدث عن ظواهر اجتماعية نجدها تتحدث بالوقت نفسه عن حوادث کونية متزامنة مع اُختها الاجتماعية کما برز أشخاص کأبطال ورموز في تلک الأحداث، فالنظرة الاجتماعية لعلامات الظهور تشير بما لا يقبل الشک بأن حرکة المهدي عليه السلام تخفي هذا البعد الضخم التي تتداخل فيه حرکة الوجود کلها، بل وتتعاقد في حرکتها ليساهم کلٌّ منها بطريقته. فهذا التسخير الکلّي لحرکة الحياة، يکشف بأنه يستهدف قضية واحدة انطلقت من قبل الرسالة وتوّجتها الرسالة فيما بعد لتُفهم الإنسان بأن الإرادة الإلهية ستنتصر بتخطيطها آخر الزمان في المهدي عليه السلام، فحين يسمع الإنسان المسلم أنّ من علامات الظهور، ظهور الصيحة في السماء فهذا يعني أنّ المهدي يمثل إرادة السماء، والعلامات الحتمية تعني حتمية انتصار الرسالة الإسلامية في ظل قيادة المهدي بن الحسن عليه السلام.

4 - لما کان الکلام عن علامات الظهور کلاماً عن حوادث غيبية مستقبلية لذا ينبغي أن يکون المتحدث بها له صلة مع الغيب وهذا ما يتأکد من کون المتحدث عنها إما النبي أو أحد المعصومين عليهم السلام، فهي إذن کاشفة عن المخطط الإلهي البعيد وأنّ المهدي المنتظر قد حظي بالعناية الغيبية، التي کانت تدعم الأنبياء من قبل، فهو إذن جزءمن ذلک المخطط وستنتصر الرسالات جميعاً علي يديه.

5 - الرسالة الإسلامية الخاتمة للرسالات قد أرست قواعد الأحکام کلها وشملت بخطابها الأجيال جميعاً، ف«حلال محمد حلال الي يوم القيامة وحرامه حرام الي يوم القيامة». فلم يترک رسول اللَّه صلي الله عليه وآله شيئاً إلّا وبلغ به، وأهم مسألة قد بيّنها بعناء وبذل من أجلها جهوداً تبعاً لضخامتها وسمو منزلتها تلک هي الولاية والقيادة بعد الرسول صلي الله عليه وآله، حيث تکمن ضخامتها من خلال ضخامة دورها لذا سلک الرسول صلي الله عليه وآله أساليب متعددة لترويض الاُمة وتربيتها علي قبول الإمامة والقيادة من بعده في علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولاية تستلزم الطاعة لأن مهمة الإمامة هي هداية الناس بتطبيق ما جاءت به الرسالة المحمدية.

فإذا کان النبي صلي الله عليه وآله قد بلغ أمر اللَّه في حديث الإنذار، وتبعه بعد ذلک بجهود اُخري حتي توج آخر المطاف بحادثة الغدير، التي وضعت النقاط علي الحروف، فلا مجال من کون الولاية والخلافة لعلي عليه السلام دون غيره.

ولم يقتصر جهد النبي الي هذا الحد، لأن الخلافة والإمامة لا تتوقف بحدود حياة الإمام علي بن أبي طالب وان کان الجهد المحمدي الذي ترکّز بالنص علي ولايته من قبل النبي ثم بروز طاقات الإمام التي تفوّق بها علي غيره حتي تأکد عند المسلمين جميعاً من أنه الشخص المعد من قبل اللَّه لحمل الرسالة بعد صاحبها.

جاء الجهد الآخر الذي يحيط مسألة الإمامة، وبيّن منزلتها ودوامها واستمراريتها بعد الرسول في اثني عشر خليفة من خلال الکلام عن علامات الظهور التي تترکز في الإمام الثاني عشر إذن تعني الکلام عن الإمامة والقيادة بعد الرسول وانها ستستمر في خط العصمة، والذي سينتصر في خاتم الأوصياء المهدي بن الحسن.