بازگشت

شبهة اخري


وهي شبهة تقتضي منهجة البحث أن أقف عندها ولو قليلاً، لأکشف موضع المفارقة فيها، محاولاً رفع الالتباس، لأنها تدور حول سقوط الدعوة:

ربما يبدو للبعض أن قضية الدعوة إلي إقامة دولة إسلامية، تدور بين أمرين کل منهما مسقط لوجوب الدعوة.. وهما:

أ - إما أن تکون البشرية الآن، علي استعداد تام لتقبل الإسلام..

ب - أو لا تکون علي استعداد تام لتقبل الإسلام..

فان کانت البشرية الآن علي استعداد تام لتقبل الإسلام، فلابد حينئذ من ظهور الإمام المنتظر (عليه السلام)، لأن مثل هذا الظرف بما فيه من استعداد تام يحتم عليه الظهور، وعند ظهوره فأمر الدعوة يعود إليه.

وإن کانت البشرية ليست علي استعداد تام لتقبل الإسلام، فسيکون نصيب الدعوة إلي إقامة دولة إسلامية عدم النجاح، فلا فائدة - إذن - بالدعوة.

والمفارقة في هذا الرأي تمکن في أنه ينطوي - في واقعه - علي خلط بين الدولة التي أنيطت مسؤولية إيجادها بالإمام المنتظر (عليه السلام)، وبين الدولة التي ألقيت مسؤولية العمل من أجل قيامها علي عاتق المسلمين.

فان الأولي - أعني دولة الإمام - عالمية،.. ولعلها من أبرز خصائصها - کما تقدم -.

والثانية لا يشترط فيها أن تکون عالمية حيث لم يدل علي ذلک دليل من النصوص الشرعية، ولا من العقل مع عدم القدرة.

فنحن متي التفتنا إلي موضع المفارقة في هذا الرأي، وهو ذلکم الخلط بين دولة الإمام (عليه السلام) التي من أوليات شروطها أنها عالمية.. وبين الدولة التي يجب علي المسلمين العمل من أجل إقامتها.

أقول: متي التفتنا إلي موضع المفارقة سهل علينا معرفة موقع الالتباس في أمثال هذه الشبهة.

علي أنه لا يحتمل أن فقيهاً ما، لا يفتي بوجوب قيام دولة إسلامية في قطر ما، إذا کان ذلک القطر مستعداً ومهيئاً لقيامها نتيجة الوعي السياسي الإسلامي الذي شمله.

ولست أدري ما يقول من يرسل مثل هذا الرأي، لو قدر أن بلاداً ما، من بلدان المسلمين سادها الوعي السياسي الإسلامي، وامتلک أهلها زمام أمورهم السياسية، ورفعوا أمرهم إلي الفقيه المتوفر علي شروط الحاکم المسلم، يطلبون منه أن يحکمهم بالإسلام، وکان الأمر في وضعية من الخطورة بحيث إذا لم يحکمهم، ويوکل الموضوع إليهم أنفسهم، يقعون في مخالفات شرعية کثيرة، لجهلهم بالأحکام ومواضع التطبيق.

أيؤمن بشيء أخر غير إجابة الفقيه لهؤلاء؟..

لا أحتمل أن أحداً ممن له أدني معرفة بالتشريع الإسلامي يحتمل عدم جواز الإجابة.