بازگشت

تقييد الدعوة


ويقيد جماعة من فقهائنا الدعوة إلي إقامة حکم إسلامي بالأمن من الخطر.

والذي أخاله: أن العمل وفق هذا الرأي يلزمنا - عادة - بتحديد موضوع هذا القيد:

فيما يبدو لي: إن أمثال هذا التقييد لا يتأتي مع اتباع أسلوب الثورة، وذلک لتوفر القوة الکافية التي تبعد وقوع الخطر الذي يشير إليه القيد، والذي لا ينهي - عادة - إلي تحقيق واجب أخر أهم من التضحية.

وکذلک لا يتأتي هذا التقييد مع اتباع أسلوب التدرج، لا في مراحله الأولي، لأن العمل - بطبيعة أيديولوجيته التنظيمية - لا يهدف إلي صراع سياسي ولا يقوم به.. ولا في مراحله النهائية، لأن العمل يبلغ فيها استکماله القوة الکافية اجتماعياً وسياسياً، إلي التوصل إلي تحقيق الواجب.

نعم.. يتأتي هذا التقييد في اتباع أسلوب الثورة قبل استجماع القوة الکافية، وفي اتباع أسلوب التدرج حينما يقوم العمل بالصراع السياسي في المراحل الأولي.. إذا لم تکن الظروف - بطبيعتها - تتطلب التضحية کوسيلة نهائية حاسمة في الاحتجاج أمام الکفر والانحراف [1] .

علي أننا إذا لاحظنا: أن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، ينقسم باعتبار ظروفه إلي قسمين:-

1- في ظرف وجود حکم إسلامي عادل.

2- في ظرف وجود حکم کافر، أو حکم إسلامي منحرف لا يقضي عليه إلا بالتضحية.

وأن هناک من فقهائنا الأعلام من يذهب إلي أن خوف الضرر الذي هو أحد شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، يقتصر اشتراطه علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر من نوع القسم الأول،.. أما بالنسبة إلي الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر من نوع القسم الثاني، فيسقط هذا الشرط، وتلزم التضحية بالنفس والمال للإطاحة بالحکم الکافر، أو المنحرف، وإقامة الحکم الإسلامي [2] شريطة أن تؤثر التضحية، ولو تأثيراً ضئيلاً إذا کان مما يعتد به.

أقول: إننا إذا لاحظنا ذلک يضيق مجال ذلکم التقييد کثيراً.

وفيما أظنه: أن من يشترط الأمن من الخطر من الفقهاء، لا يلزم به من يقطع بأن أمثال هذه التضحيات تنهي إلي تحقيق الواجب.

علي أن المسألة - فيما أعتقد - لا تحتاج إلي هذا، بعد أن أثبت تاريخ الشهداء، وتاريخ مختلف الأحزاب السياسية، أن التضحيات هي سبيل الإطاحة بحکم وإقامة حکم أخر علي أنقاضه.


پاورقي

[1] يقرأ: المؤلف، (أهداف ووسائل ثورة الطف) الأضواء 3/1 ص 68.

[2] هذا الرأي للفقيه الأکبر مرجع المسلمين العام السيد محسن الحکيم - دام ظله العالي جاء جواباً للسؤال التالي:

(لقد جاء في رسالتکم العملية في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر: (أن لا يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر ضرر في النفس أو في العرض أو في المال) ولقد رأينا جملة من المؤمنين الصالحين العاملين قد أمروا بمعروف ونهوا عن منکر، وقد لاقوا ما لاقوه من قوي الشر والضلال.. فهل أن عملهم هذا غير صحيح؟!).

الجواب: إن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر التي ذکرناها وذکرها الفقهاء - رضوان الله عليهم - إنما هي لشرائط للنهي عن المنکرات المتعارفة، کترک الصلاة وشرب الخمر وأکل أموال الناس أو أعراضهم، ونحو ذلک، ممالا يمس أساس الدين وبيضة الإسلام.

أما المنکرات التي يخشي من وقوعها علي أساس الدين، فيجب مکافحتها والتضحية في سبيل المحافظة علي أصل الدين وأساسه بکل غال ورخيص، وبالنفس والنفيس، کما وجب الجهاد في کثير من الأعصار والأمصار، حفظاً لبيضة الإسلام وکيان الدين. وما قام به هؤلاء المؤمنون الصالحون من تضحيات، وما لا قوه من قوي الشر والضلال، من هذا النوع). تقرأ: الأضواء 2/3 ص 59.