بازگشت

من الکتاب: ويناقش


استدل بأن الخطابات القرآنية الواردة في أمثال قوله تعالي: (فاجلدوا) - في آية حد الزني - [1] ، وقوله تعالي: (فاقطعوا) - في آية حد السرقة - [2] ، مطلقة تشمل زماني الحضور والغيبة [3] .

ولم يرد ما يدل علي تقييدها بزمن الحضور..

فإذن علي عامة المسلمين امتثالها..

إلا أنه مع صدور الإذن من الأئمة (عليهم السلام) للفقهاء بتطبيق کثير من جوانب النظام الاجتماعي العام - التي هي من وظائف وصلاحيات الحاکم العام [4] - الذي يفاد منه الإذن بالجميع؛ وذلک للقطع الذي يستفاد من سيرة الأئمة (عليهم السلام)، وحرصهم الشديد علي القيام بأداء مسؤوليتهم من تبليغ الأحکام وتطبيقها.. يکون علي الفقهاء القيام بامتثالها.

فيتعين - علي ضوئه - نصب الفقيه العادل حاکماً عاماً للمسلمين من قبل الأئمة (عليهم السلام).

يقول الفيض الکاشاني: (وکذا إقامة الحدود والتعزيرات وسائر السياسات الدينية، فان للفقهاء المؤمنين إقامتها في الغيبة بحق النيابة عنه (عليه السلام)..

لأنهم مأذونون من قبلهم (عليهم السلام) في أمثالها کالقضاء والإفتاء وغيرهما..

ولا طلاق أدلة وجوبها..

وعدم دليل علي توقفه علي حضوره عليه السلام) [5] .

ويقول السيد البروجردي: (إنه لما کان هذه الأمور والحوائج الاجتماعية مما يبتلي بها الجميع مدة عمرهم غالباً، ولم يکن الشيعة في عصر الأئمة متمکنين من الرجوع إليهم (عليهم السلام) في جميع الحالات، کما يشهد بذلک - مضافاً إلي تفرقهم في البلدان - عدم کون الأئمة مبسوطي اليد، بحيث يرجع إليهم في کل وقت، لأي حجة اتفقت، فلا محالة يحصل لنا القطع بأن أمثال: زرارة، ومحمد بن مسلم، وغيرهما من خواص الأئمة، سألوهم عمن يرجع إليه في مثل تلک الأمور العامة البلوي، التي لا يرضي الشارع بإهمالها، بل نصبوا لها من يرجع إليه شيعتهم إذا لم يتمکنوا منهم (عليهم السلام)، ولا سيما مع علمهم (عليهم السلام) بعدم تمکن أغلب الشيعة من الرجوع إليهم، بل عدم تمکن الجميع في عصر غيبتهم التي کانوا يخبرون عنها غالباً، ويهيئون شيعتهم لها..

وهل لأحد أن يحتمل انهم (عليهم السلام) نهوا شيعتهم عن الرجوع إلي الطواغيت وقضاة الجور، ومع ذلک أهملوا لهم هذه الأمور، ولم يعينوا من يرجع إليه الشيعة في فصل الخصومات، والتصرف في أموال الغيّب والقصّر، والدفاع عن حوزة الإسلام، ونحو ذلک من الأمور المهمة، التي لا يرضي الشارع بإهمالها؟..

وکيف کان.. فنحن نقطع بأن صحابة الأئمة (عليهم السلام) سألوهم عمن يرجع إليه الشيعة في تلک الأمور مع عدم التمکن. وإن الأئمة (عليهم السلام) أيضاً أجابوهم بذلک، ونصبوا للشيعة مع عدم التمکن منهم (عليهم السلام) أشخاصاً يتمکنون منهم إذا احتاجوا..

غاية الأمر سقوط تلک الأسئلة والأجوبة من الجوامع التي بأيدينا، ولم يصل إلينا إلا ما رواه عمر بن حنظلة وأبو خديجة.

وإذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم (عليهم السلام)، وانهم لم يهملوا هذه الأمور المهمة، التي لا يرضي الشارع بإهمالها - ولا سيما مع إحاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة - فلا محالة يتعين الفقيه لذلک إذا لم يقل أحد بنصب غيره.

فالأمر يدور:

بين عدم النصب..

وبين نصب الفقيه العادل..

وإذا ثبت بطلان الأول - بما ذکرنا - صار نصب الفقيه مقطوعاً به..

ويصير مقبولة ابن حنظلة من شواهد ذلک..

وإن شئت ترتيب ذلک علي النظم القياسي، فصورته هکذا:

إما أنه لم ينصب الأئمة (عليهم السلام) أحداً لهذه الأمور العامة البلوي..

وإما أن نصبوا الفقيه لها..

لکن الأول باطل، فثبت الثاني..

فهذا قياس استثنائي مؤلف من قضية منفصلة حقيقية، وحملية دلت علي رفع المقدم، فينتج وضع التالي.. وهو المطلوب) [6] .

ويناقش بما خلاصته:

بأن الإذن من الأئمة (عليهم السلام) للفقهاء ببعض التصرفات العامة لا يستلزم الإذن بالجمعي،. لما سيأتي في مناقشة هذا الرأي بصورة عامة، من أن العقل - هنا - يستبعد نصب کل فقيه عادل لرئاسة الدولة لما يترتب عليه من محاذير.


پاورقي

[1] الآية 2 من سورة النور.

[2] الآية 38 من سورة المائدة.

[3] يراجع: الجواهر، ص 617.

[4] للتعرف علي تلک الموارد المأذون فيها يقرأ: السيد المراغي، ص 353.. والسيد آل بحر العلوم، ص 384.

[5] کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.

[6] ص 55، 56، 57.