بازگشت

فصل الدين عن السياسة


وأود أن أنبه إلي شيء أخر أيضاً، وهو: إننا ربما عدنا - من ناحية منهجية - بسبب ما نعانيه اليوم من انتشار الذهنية الغربية التي تؤمن بفصل الدين عن السياسة لدي الکثير من أبناء أمتنا.

أقول: ربما عدنا ملزمين بأن نشير في مداخل بحوثنا حول الحکم الإسلامي إلي ما في هذه النظرة من مفارقة تبعدنا تماماً عن واقع الإسلام الذي لا يعترف بفصل الدين عن السياسة، وإنما يعتبر السياسة جزءاً من الدين، والذي يعد ذلک من ضرورياته التي لا تحتاج - بطبيعتها - إلي أکثر من الالتفات والتنبه إليها.

ولعل ما نلمسه من واقع ذلک باستقراء التشريع الإسلامي، وبقراءة تاريخ الحکومات الإسلامية کافٍ في لفت النظر إليه، وفي التنبه عليه.

علي أن فقهاءنا - وبخاصة المعاصرين منهم - أکدوا کثيراً علي جانبي: اشتمال الإسلام علي النظم الکاملة التي منها النظام السياسي، ولزوم القيام بتطبيقها کاملة.

ولعله لما يرونه من شيوع هذه الذهنية الغربية لدي أبناء المسلمين..

يقول السيد الحکيم جواباً للسؤال التالي الذي وجّه لجملة من مراجع التقليد بتاريخ (26/3/1379 هـ) حينما حاول أعداء الإسلام إثارة الغبار حول توفر الإسلام علي نظام کامل للحياة، مستغلين فرصة عدم تطبيقه، وعدم فهم الأمة له نتيجة فصله عن الدولة، وإبعاده عن مناهج التربية والتعليم.

والسؤال هو:

(هل في الإسلام نظام متکامل شامل، يتناول جميع مظاهر الحياة بالتنظيم، وجميع مشاکل الإنسان بالحل الصحيح الناجع، ويعني بشؤون الفرد والمجتمع عناية تامة في مختلف وشتي مجالات الاقتصاد والسياسة والاجتماع وغيرها؟..) (وهل الدعوة إلي تطبيق هذا النظام الإسلامي واجبة علي المسلمين) [1] يقول - دام ظله العالي -: (نعم.. في الإسلام النظام الکامل علي النهج المذکور في السؤال، ويتضح ذلک بالسبر والنظر في الأوضاع التي کان عليها المسلمون في العصور الأولي).

(وتجب الدعوة إلي هذا التطبيق) [2] .

ويقول السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي جواباً للسؤال المتقدم: (لا ريب في أن دين الإسلام هو النظام الأتم الأکمل، لما فيه الحل الصحيح لجميع مشاکل الإنسان في جميع الأعصار والأدوار). (ويجب الدعوة إلي تطبيقه) [3] .

ويقول السيد ميرزا مهدي الشيرازي جواباً للسؤال المتقدم: أيضاً: (نعم.. الإسلام نظام متکامل شامل لجميع مظاهر الحياة، ويحل جميع مشاکل الإنسان، بأفضل حل، لم يسبقه في ذلک سابق، ولا يلحقه فيه لاحق، صالح للتطبيق في جميع الأزمنة والأمکنة، قال الله تعالي: (اليوم أکملت لکم دينکم وأتممت عليکم نعمتي ورضيت لکم الإسلام ديناً).

(والدعوات إلي تطبيق الإسلام واجبة علي جميع المسلمين، قال الله تعالي: (ادع إلي سبيل ربّک بالحکمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن)..)

ويقول السيد البروجردي: (لا يبقي شک لمن تتبع قوانين الإسلام وضوابطه، في أنه دين سياسي اجتماعي، وليست أحکامه مقصورة علي العباديات المحضة المشروعة لتکميل الأفراد، وتأمين السعادة في الآخرة، بل يکون أکثر أحکامه مربوطة بسياسة المدن، وتنظيم الاجتماع، وتأمين سعادة هذه النشأة، أو جامعة للحسينين، ومرتبطة بالنشأتين، وذلک کأحکام المعاملات والسياسات من الحدود والقصاص والديات والأحکام القضائية المشروعة لفصل الخصومات، والأحکام الکثيرة الواردة لتأمين الماليات التي يتوقف عليها حفظ دولة الإسلام کالأخماس والزکوات ونحوها.. ولأجل ذلک اتفق الخاصة والعامة علي أنه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبر أمور المسلمين، بل هو من ضروريات الإسلام) [4] .

ويقول - قدس سره - أيضاً: (لا يخفي أن سياسة المدن وتأمين الجهات الاجتماعية في دين الإسلام لم تکن منحازة عن الجهات الروحانية، والشؤون المربوطة بتبليغ الأحکام وإرشاد المسلمين، بل کانت السياسة فيه من الصدر الأول مختلطة بالديانة ومن شؤونها،..

فکان رسول الله (صلي الله عليه وآله) بنفسه يدبر أمور المسلمين، ويسوسهم، ويرجع إليه في فصل الخصومات، وينصب الحکام للولايات، ويطلب منهم الأخماس والزکوات ونحوهما من الماليات.

وهکذا کانت سيرة الخلفاء من بعده من الراشدين وغيرهم، حتي أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه بعد ما تصدي للخلافة الظاهرية، کان يقوم بأمر المسلمين، وينصب الحکام والقضاة للولايات.

وکانوا في بادئ الأمر يعملون بوظائف السياسة في مراکز الإرشاد والهداية کالمساجد، فکان إمام المسجد بنفسه أميراً لهم،.. وبعد ذلک کانوا يبنون المسجد الجامع قرب دار الإمارة، وکان الخلفاء والأمراء بأنفسهم يقيمون الجمعات والأعياد، بل ويدبرون أمر الحج أيضاً، حيث أن العبادات الثلاث مع کونها عبادات قد احتوت علي فوائد سياسية، لا يوجد نظيرها في غيرها کما لا يخفي علي من تدبر.

وهذا النحو من الخلط بين الجهات الروحية والفوائد السياسية من خصائص دين الإسلام وامتيازاته) [5] .


پاورقي

[1] مخطوطة لدي المؤلف.

[2] مخطوطة لدي المؤلف.

[3] مخطوطة لدي المؤلف.

[4] ص 52.

[5] ص 53.