بازگشت

ضرورية الحکم الاسلامي زمن الغيبة


وقبل أن أجيب علي هذين السؤالين، أود أن أشير إلي مفارقة منهجية في بعض البحوث التي دوّنت حول موضوع الحکم زمن الغيبة،.. وهي محاولة الاستدلال علي وجوب قيام حکومة إسلامية زمن الغيبة، وبخاصة عند المحدثين - کما في بحث العلامة الکبير السيد محمد حسين الطباطبائي -.

في الوقت الذي يعتبر وجوب قيام حکم إسلامي زمن الغيبة من ضروريات الدين التي لا تحتاج إلي محاولة إثبات أو تحشم استدلال.

يقول الفيض الکاشاني: (فوجوب الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، والتعاون علي البر والتقوي، والإفتاء، والحکم بين الناس بالحق، وإقامة الحدود والتعزيرات، وسائر السياسات الدينية، من ضروريات الدين، وهو القطب الأعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، ولو ترکت لعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفتنة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلک العباد، نعوذ بالله من ذلک) [1] .

ويقول الشيخ صاحب الجوهر: (وبالجملة.. فالمسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلي أدلة) [2] .

ويقول السيد البروجردي: (اتفق الخاصة والعامة علي أن يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدير أمور المسلمين، بل هو من ضروريات الإسلام) [3] .

ولعل ما يترتب علي ترک امتثال هذا الوجوب من محاذير شرعية، يکفي في لفت النظر إلي ضروريته الدينية.

وربما کان أهمها ما يلي:

1- تعطيل التشريع الإسلامي في أهم جوانبه، وهو جانب السياسي..

وحرمته من الوضوح بمکان؛ نظراً إلي أنه تشريع عطل؛ والي ما ينجم عن تعطيله من ارتکاب المحارم، وانتشار الجرائم، وشيوع الموبقات وأمثالها..

يقول العلامة، في تعطيل الحدود - وهي فرع من فروع التشريع السياسي -: (إن تعطيل الحدود يفضي إلي: ارتکاب المحارم، وانتشار المفاسد؛ وذلک مطلوب الترک في نظر الشرع) [4] .

ويقول الشهيد الثاني: (فان إقامة الحدود ضرب من الحکم، وفيه مصلحة کلية، ولطف في ترک المحارم، وحسم لانتشار المفاسد) [5] .

2- الخضوع للحکم الکافر..

- وهو مما ينجم عن تعطيل التشريع السياسي الإسلامي أيضاً، وأفردته بالذکر هنا نظراً لأهميته ولوضوحه -؛

لأنه ليس وراء عدم الخضوع للحکم الإسلامي ممن يعيش في بقعة جغرافية سياسية، إلا الخضوع للحکم الکافر، لأنه لا ثالث للإسلام والکفر؛ إذ الحکم حکمان: حکم الله وحکم الجاهلية.

والذي يبدو لي: أن اتخاذ القدامي من فقهائنا هذا المنهج من الاستدلال، إنما هو لما حکي عما يستظهر من السيد ابن زهرة الحلبي، والشيخ ابن إدريس الحلي، من ذهابهما إلي عدم وجوب إقامة الحدود زمن الغيبة.

والتحقيق في الوقوف علي وجهة نظر هذين العلمين حول المسألة - حسبما حرره الفقيه صاحب الجواهر - هو خلاف ما حکي عن ظاهرهما.

يقول - قدس سره -: (لا أجد فيه خلافاً إلا ما يحکي عن ظاهر ابني زهرة وإدريس، ولم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه، إذ قد سمعت سابقاً معقد إجماع الثاني منهما (يعني به ابن إدريس) الذي يمکن اندراج الفقيه في الحکام عنهم (يعني الأئمة المعصومين عليهم السلام)، فيکون حينئذ إجماعه عليه، لا علي خلافه) [6] .

والذي يشير إليه - هنا - بقوله (إذ قد سمعت سابقاً) هو ما يحکيه عن کتاب (الغنية) للسيد ابن زهرة، وکتاب (السرائر) للشيخ ابن إدريس، في موضوع عدم جواز إقامة الحدود إلا من قبل الإمام، أو من نصبه،..

قال - قدس سره -: (و علي کل حال: فلا خلاف أجده في الحکم - هنا - بل عن الغنية والسرائر: (الإجماع عليه، بل في المحکي عن الثاني (يعني السرائر): دعواه من المسلمين، قال (يعني ابن إدريس): والإجماع حاصل منعقد من أصحابنا، ومن المسلمين جميعاً: إنه لا يجوز إقامة الحدود، ولا المخاطب بها إلا الأئمة، والحکام القائمون بإذنهم في ذلک) [7] .


پاورقي

[1] مفاتيح الشرائع، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.

[2] جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، ص 617.

[3] البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر، ص 52.

[4] مختلف الشيعة في أحکام الشريعة، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.

[5] مسالک الافهام إلي شرح شرائع الإسلام، کتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر.

[6] ص 616.

[7] ص 615.