بازگشت

الدليل التشريعي


من أوليات خصائص الدعوة الإسلامية أنها دعوة عالمية.

ومن أوليات التشريع الإسلامي وجوب حمل رسالة الإسلام إلي العالم کله علي رئيس الدولة المعصوم عن طريق الجهاد أو غيره،..

لأن الإسلام نظام اجتماعي ثوري، جاء لإذابة واستئصال جميع النظم الاجتماعية القائمة.

ومن الوضوح بمکان أن عملية الهدم والبناء في عالم الثورة، تتطلب فترة طويلة من الزمن، ينطلق فيها الثوار مندفعين بکل إمکانياتهم إلي اقتلاع رواسب النظم الاجتماعية المطاح بها، من نفسيات أبناء الجيل الذي عاشها متجاوباً معها، والي إنشاء جيل جديد، خال من رواسب الماضي، ومنصهر کل الانصهار بفکرة النظام الجديد.

ومن الوضوح بمکان: أن من أهم ما يشترط في القائمين علي تطبيق النظام الجديد، خلوهم من أية راسبة تعاکس مفاهيم وأحکام النظام الجديد، وانصهارهم بالنظام الجديد انصهاراً من أقرب معطياته صياغة شخصياتهم في جميع خصائصها، ومختلف جوانبها وفق النظام الجديد.

ونحن نعلم أن النبي محمداً (صلي الله عليه وآله) لم تمتد به الأيام إلي إنهاء عملية الهدم والبناء فالتطبيق الکامل.

ونعلم - أيضاً - أن ليس في المسلمين من يتوفر فيه الشرط المذکور غير الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

ولعل إلي هذا المعني يشير المعنيون ببحوث الإمامة، حينما يستدلون علي خلافة الإمام علي (عليه السلام) بعد النبي (صلي الله عليه وآله) مباشرة، بالآية الکريمة: (وإذ ابتلي إبراهيم ربّه بکلمات فأتمّهنّ قال إني جاعلک للناس إماماً قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظالمين) [1] .

ونعلم - أيضاً - أن الإمام علياً (عليه السلام) کذلک هو الآخر لم ينه العملية للملابسات والظروف السياسية التي سبقت خلافته أو رافقتها.

وإن أبناءه المعصومين هم الآخرون لم يستطيعوا القيام بمهمة إنهاء تلکم العملية للعوامل والظروف السياسية والاجتماعية التي واکبت أيامهم.

وإن النوبة قد انتهت إلي الإمام المنتظر (عليه السلام)، فلابد من إنهائها علي يديه، لأنه خاتمة المعصومين (عليه السلام)، فيحقق ما أخبر به القرآن الکريم بقوله: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين کله) [2] - وربما إليه کان يشير مفسر والآية الکريمة بالإمام المنتظر (عليه السلام) - وهو شيء يتطلب استمرار حياته لهذه الغاية النبيلة.

وربما علي ضوئه نستطيع أن نستدل علي لزوم وجوده معاصراً لأبيه الإمام العسکري (عليه السلام)، واستمراره بعده، منطلقين من البدء، وکأنا لم نفترض المفروغية من إثبات ولادته، بما حاصله:

وهو أننا إن لم نلتزم بمعاصرة الإمام المنتظر (عليه السلام) لأبيه العسکري (عليه السلام)، وتلقيه ما تتطلبه مهمته کمشرّع ومطبّق، لابد أن نلتزم بأحد أمرين:

1- إما بتلقيه ذلک عن طريق الوحي.

2- وإما بإدراکه الأحکام عن طريق الاجتهاد المعروف.

والالتزام بأي من الأمرين المذکورين يصادم عقيدتنا، وذلک لأن الالتزام منا بتلقي الإمام (عليه السلام) الأحکام عن طريق الوحي يصادم عقيدتنا باختتام الوحي بالنبي محمد (صلي الله عليه وآله).

والالتزام بإدراکه (عليه السلام) الأحکام عن طريق الاجتهاد يصادم عقيدتنا في علم الإمام، وإدراکه الأحکام الواقعية جميعها وبواقعها،. والاجتهاد قاصر - عادة - عن إدراک الکثير من الأحکام الواقعية کما هو معلوم.

وعند بطلان هذين لابد من القول بمعاصرة الإمام المنتظر (عليه السلام) لأبيه (عليه السلام) واستمرار حياته منتظراً تمخض الظروف عن ساعة خروجه وثورته المبارکة.


پاورقي

[1] الآية 124 من سورة البقرة.

[2] الآية 33 من سورة التوبة. و28 من سورة الفتح. و9 من سورة الصف.