عقيدة المهدي و مذهبه
ولإثبات هذه الحقيقة فإنّ أمامنا ثلاث طرق:
الطريق الأوّل: يوجد عدد من الشهادات لأبناء العامة تصرح بأن الإمام المهدي لم يتبن مذهباً من المذاهب الأربعة المعمول فيها عند أبناء العامة.
قال ابن عربي؛ وهو يتحدث عن المهدي وعن إجراءاته: به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقي إلّا الدين الخالص، أعداؤه مقلدة العلماء أهل الاجتهاد لما يرونه من الحکم بخلاف ما ذهبت إليه أئمتهم [1] .
وبهذا لا يمکن القول بأن المهدي يعتقد بالحنفية أو المالکية، أو الحنبلية مثلاً.
وقال السيوطي، عن الحکم الذي يمارسه عيسي بن مريم عليه السلام وهو العضد الأيمن للمهدي في دولته: وإذا قلتم أنه يحکم بشرع نبينا، فکيف طريق حکمه به، بمذهب من المذاهب الأربعة المقررة أو باجتهاد منه؟!
هذا السؤال أعجب من سائله!! وأشد عجباً من قوله فيه بمذهب من المذاهب الأربعة!! فهل خطر ببال السائل أنّ المذاهب في الملة الشريفة منحصرة في أربعة.
والمجتهدون من الاُمة لا يحصون کثرة... فلأي شي خصص السائل المذاهب الأربعة.
ثم کيف يظن بإمام بهذه المرتبة أنه يقلد مذهباً من المذاهب، والعلماء يقولون: إنّ المجتهد لا يقلد مجتهداً، فإذا کان المجتهد من آحاد الاُمة لا يقلد، فکيف الظن بالمهديّ أنه يقلد.
الطريق الثاني: ولا يمکن القول بأنّ الإمام يقلد مالکاً إمام المذهب المالکي المعروف مثلاً أو غيره، وذلک لأن مالکاً إما أن يکون مجتهداً أو يکون محدثاً، فإذا کان مجتهداً وينبغي للمهدي أن يقلده في اجتهاده، فالإمام حسب الفرضية والروايات المنقولة عن کتب العامة يأتي کمحيٍ للشريعة ولسنة رسول اللَّه، لا محيياً للاجتهاد الذي اجتهده هذا المجتهد أو ذاک، ومالک من جهة وحسب المدعي أنّه أيضاً محيٍ لشريعة النبي صلي الله عليه وآله، إلّا أنه لم يرد فيه نصّ من هذا القبيل فيکون إحياء المهدي لا کإحياء مالک للشريعة، وبه يتعين أن يکون المهدي محيياً لما فات مالک من سنن، وهذا لا يصدق في أن يکون المهدي الذي يظهر آخر الزمان محيياً لاجتهاد مالک.
وإذا افترضنا أن مالکاً محدث ليس إلّا فهنا المحدث لا يصدق بحقّه کونه قد نقل کل ما في الواقع وکل ما جاءت به السنة النبوية، لورود الخطأ واحتماله في نقل مالک، أو ممن نقل عنهم مالک، وبسبب الفترة الواقعة بين تدوين الحديث وفترة منعه وما فيها من ملابسات، قال مالک: إنّ هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينکم، لقد أدرکت سبعين ممن يقولون: قال رسول اللَّه عند هذه الأساطين، فما أخذت عنهم شيئاً، وأنّ أحدهم لو اُؤتمن علي بيت مال لکان أمينا [2] - وکان يتکلم برأيه علي الاجتهاد وعلي ما أدرک عليه أهل العلم ببلده - إذاً فلا يصدق أن يکون الإمام المهدي محيياً للحديث الذي ينقله مالک وهذا الادعاء لم يرد فيه نصّ من هذا القبيل، ولشهادته أنّه قد ترک من السنّة النبوية أشياء مع کون الحاملين لها ممّن هم موضع الثقة عند مالک نفسه.
وبالنتيجة فإنه لا يمکن القول بأنّ الإمام المهدي الموعود يأتي وهو علي مذهب من المذاهب الأربعة المعروفة، لإنطباق تلک الاحتمالات علي باقي المذاهب.
الطريق الثالث: المهدي يعتقد بمذهب أهل البيت عليهم السلام.
ويمکن إثبات ذلک باعتبار الروايات التالية بعد أن ثبت في محله کون أهل البيت والعترة هم الأئمةعليهم السلام:
1 - عن اُم سلمة. قالت: سمعت رسول اللَّه يقول:«المهدي من عترتي من ولد فاطمة».
2 - وقوله صلي الله عليه وآله:«لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث اللَّه رجلاً من أهل بيتي» [3] .
3 - وقوله صلي الله عليه وآله:«المهدي منّا أهل البيت» [4] .
4 - وقوله:«لا تذهب الدنيا حتّي يملک العرب رجل من أهل بيتي» [5] .
5 - عن جابر بن سمرة، قال سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول:«يکون اثنا عشر أميراً. فقال کلمة لم أسمعها. فقال أبي: إنّه قال: کلهّم من قريش» [6] .
6 - عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله:«يکون من بعدي اثنا عشر أميراً». قال: ثم تکلم بشي ء لم أفهمه. فسألت الذي يليني، فقال: قال: کلّهم من قريش». [7] ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة.
7 - عن ابن عباس، قال: قدم يهودي يقال له: نعثل فقال: يا محمد أسألک عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين... إلي أن يقول: فما من نبي إلّا وله وصي، وإنّ نبينا موسي بن عمران أوصي يوشع بن نون، فقال صلي الله عليه وآله:«إن وصيي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين. قال: يا محمد فسمهم لي: قال: إذا مضي الحسين فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمد، فإذا مضي محمد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمد، فإذا مضي محمد فابنه عليّ، فإذا مضي علي فابنه الحسن، فإذا مضي الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر» [8] .
8 -... وهو من عترة رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ومن ولد فاطمة رضي اللَّه تعالي عنها. جده الحسين بن عليّ بن أبي طالب. ووالده الإمام الحسن العسکري بن الإمام عليّ النقي - بالنون - ابن الإمام محمد التقي - بالتاء - ابن الإمام عليّ الرضا ابن الإمام موسي الکاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقرعليه السلام بن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين عليه السلام بن الإمام عليّ بن أبي طالب رضي اللَّه تعالي عنهم. يواطئ اسمه اسم رسول اللَّه صلي الله عليه وآله [9] .
9 - ما نقله الفقيه ابن طلحة الشامي الشافي حيث قال في الباب الثاني عشر من کتابه، في أبي القاسم محمدبن الحسن الخالص بن عليّ المتوکل ابن القانع بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن عليّ زين العابدين ابن الحسين الزکي ابن عليّ المرتضي أمير المؤمنين ابن أبي طالب. المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظرعليهم السلام ورحمة اللَّه وبرکاته [10] .
10 - قال الکنجي الشافعي:«وأما بقاء المهدي عليه السلام:«فقد جاء في الکتاب والسنة... ثم شرح ذلک، إلي أن قال: وأما الإمام المهدي عليه السلام: مذ غيبته عن الأبصار إلي يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، کما تقدمت الأخبار في ذلک، فلابد أن يکون ذلک مشروطاً بآخر الزمان. فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل المعلوم». [11] وهذا الکلام منه واضح في اختيار الإتجاه الإمامي في فهم المهدي.
11 - ابن الصباغ: وأما نسبه أباً واُمّاً، فهو أبو القاسم محمد الحجة ابن الحسن الخالص ابن عليّ الهادي ابن محمد الجواد ابن عليّ الرضا ابن موسي الکاظم ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم أجمعين... وأما لقبه: فالحجة والمهدي والخلف الصالح والقائم المنتظر وصاحب الزمان... الخ [12] .
12 - وأخرج عنه الکنجي [13] وابن ماجة [14] ، وغيرهما، قال: قال رسول اللَّه صلي الله عليه وآله:«المهدي منّا أهل البيت يصلحه اللَّه في ليلة».
13 - کما أخرجه عنه الکنجي في البيان [15] وابن الصباغ في الفصول المهمة [16] وغيرها، واللفظ للکنجي:«أنا خاتم النبيين وأکرم النبيين علي اللَّه وأحب المخلوقين إلي اللَّه، وأنا أبوک، ووصيي خير الأوصياء وأحبّهم إلي اللَّه وهو بعلک... ومنا سبطا هذه الاُمة وهما ابناک الحسن والحسين، وهما سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما - والذي بعثني بالحق - خير منهما. يا فاطمة والذي بعثني بالحقّ، إنّ منهما مهدي هذه الاُمة، إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن...» [17] الحديث.
14 - عن الحسين عليه السلام:«إن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله قال: إبشري يا فاطمة، المهدي منک» [18] .
15 - عن محمّد بن عليّ(وهو الإمام الباقر عليه السلام)قال:«إن لمهدينا آيتين لم يکونا منذ خلق اللَّه السموات والأرض: ينکسف القمر لأوّل ليلة من رمضان، وتنکسف الشمس في النصف منه... الحديث [19] .
16 - وأما الإمام أبو عبداللَّه الصادق عليه السلام، فقد کان له في ذکر الإمام المهدي عليه السلام موقف عاطفي عظيم.. أخرج القندوزي [20] ، عن المناقب، عن سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب علي مولانا أبي عبداللَّه جعفر الصادق رضي الله عنه، فرأيناه جالساً علي التراب وهو يبکي بکاءاً شديداً ويقول:«سيدي غيبتک نفت رقادي وسلبت مني راحة فؤادي. قال سدير: تصدعت قلوبنا جميعاً. فقلنا لا أبکي اللَّه يا ابن خير الوري عينيک. فزفر زفرة انتفخ منها جوفه. فقال: نظرت في کتاب الجفر الجامع صبيحة هذا اليوم... وتأملت فيه مولد قائمنا المهدي وطول غيبته وطول عمره وبلوي المؤمنين في زمان غيبته...»الخ الحديث وهو مطول.
17 - الإمام الرضا عليّ بن موسي عليه السلام بشر بالمهدي عليه السلام أيضاً:
دعبل بن عليّ الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي الإمام عليّ الرضارضي الله عنه أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات
إلي أن قال دعبل: ثم قرأت باقي القصيدة عنده فلما انتهيت إلي قولي:
خروج إمام لا محالة واقع
يقوم علي اسم اللَّه والبرکات
يميز فينا کلّ حقّ وباطل
ويجزي علي النعماء والنقمات
بکي الرضا بکاء شديداً. ثم قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانک. أتعرف هذا الإمام؟ قلت: لا. إلّا أني سمعت خروج إمام منکم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فقال:«إنّ الإمام بعدي ابني محمد وبعد محمد ابنه عليّ وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم. وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً...» [21] الحديث
ونتيجة ذلک أن مدرسة أهل البيت تعتقد بأنّ المهدي الذي يخرج آخر الزمان هو أحد الأئمة الاثني عشر، وهو آخرهم، وله من الشروط والصفات ما ثبت لهم، کالعصمة والنصّ علي إمامته من النبي صلي الله عليه وآله، أو من الإمام الذي سبقه.
وفي عقيدتهم أنه يبلغ الأحکام التي جاء بها النبي صلي الله عليه وآله، وأنه واجب الطاعة في ظهوره، کما کان واجب الطاعة في غيبته، وهو لا يرجع إلي غيره في معرفة الأحکام، وهو يستقل ببيانها! وبه يتقرر أنّ عقيدة الإمام المهدي هي التشيع لا غيرها.
پاورقي
[1] کتاب الأربعين، الشيخ الماحوزي: 330.
[2] الموطأ: 26:1.
[3] کشف الغمة: 224:3.
[4] المصنف لابن أبي شيبة: 678:8 ح190، وللتفصيل راجع معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 461 - 126 :1.
[5] مسند أحمد بن حنبل: 276:1 و 448 ،430 ،277، سنن أبي داود: 310:2، ح 4282.
[6] مسند أحمد: 93 ،90 :5 وقد جاء بنصوص کثيرة مختلفة.
[7] سنن الترمذي: 340:3، ح 2324.
[8] أوائل المقالات للشيخ المفيد: 284، ينابيع المودة للقندوزي: 282 - 281 :3.
[9] الهداية للشيخ الصدوق: 40.
[10] مطالب السؤول: 152:2.
[11] کفاية الطالب: 529 - 528، ونقله عنه في البحار: 100 - 98: 51.
[12] الفصول المهمة: 283 - 282.
[13] اُنظر البيان في أحاديث صاحب الزمان: 65.
[14] اُنظر السنن، ابن ماجة: 1367:2.
[15] اُنظر البيان في أحاديث صاحب الزمان: 56.
[16] اُنظر الفصول المهمة: 314 وما بعدها.
[17] للتفصيل راجع معجم أحاديث الإمام المهدي: 150:1.
[18] سبل الهدي والرشاد للصالحي الشامي: 173:10.
[19] سنن الدارقطني: 51:2.
[20] اُنظر ينابيع المودة: 545 ط النجف و: 379 ط الهند.
[21] ينابيع المودة للقندوزي: 310:3، ط اُسوة ايران.