بازگشت

المعني الاصطلاحي


المعني الاصطلاحي المتداول لکلمة التأويل لا يفي بالغرض ولا يلم بکامل أبعاد کلمة التأويل کالتي يتناولها القرآن الکريم، حيث يعطي التأويل معني آخر والذي يمکن بموجبه العمل مع الآيات التي أوّلها أئمة أهل البيت في المهدي عليه السلام ودولته الکبري.

جاءت کلمة التأويل في القرآن الکريم في سور عديدة منها:

1 - قال تعالي:«قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ» [1] .

وقوله تعالي:«وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَان... نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاکَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» [2] .

وقوله تعالي:« وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّکَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُکُم بِتَأْوِيلِهِ...» [3] «ذلِکُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي» [4] وقوله:« رَبِّ قَدْ آتَيْتَني مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَاديثِ... » [5] وقوله:«وَکَذلِکَ يَجْتَبيکَ رَبُّکَ وَيُعَلِّمُکَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْکَ...» [6] .

وهذه الآيات تکشف لنا من کون التأويل يقوم بدور کشف الأسرار وهو أمر متعلق بالعلم الإلهي وليس له بالتحصيل والعلم الکسبي دخل کما هو شأن التفسير؛ ولذا قال:« وَيُعَلِّمُکَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ»وقوله:«مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي». لأن التفسير يعني إيضاح مدلول اللفظ الذي لا دخل له بالباطن ولا بالأسرار شي ء.

2 - وجاء ذکر کلمة التأويل في سورة الکهف:« ذلِکَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» [7] وهي تعني أيضاً مما ليس له ارتباط باللفظ ودلالته ولها اتصال بالمعين الباطن للحوادث وجريانها مستقبلاً.

3 - وجاء في سورة يونس:«بَلْ کَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ کَذلِکَ کَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ کَيْفَ کَانَ عَاقِبَةُالظَّالِمِينَ» [8] .

والتأويل هنا جاء بمعني تحقق ما ذکره القرآن الکريم من تصديق الرسالات السابقة وتفاصيل الشريعة والرسالة وما يمکن أن يتحقق من مسيراتها بعد ذلک من أحداث.

4 - وفي سورة الأعراف قال تعالي:«هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي کُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا کَانُوا يَفْتَرُونَ» [9] .

والتأويل هنا جاء بمعني تحقق ما أخبر به الکتاب أو القرآن الکريم بما يقع يوم القيامة من العذاب والثواب ومصائر الناس، حيث يصدق الإنسان ما جاءت به الرسل عن اللَّه تعالي من حقائق هذا اليوم.

5 - وفي سورة الأعراف قال تعالي:«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْکَ الْکِتَبَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَبِ وَأُخَرَ مُتَشَابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّکَّرُ إِلَّا أُولُوا الأَلْبَابِ» [10] .

وجاء معني التأويل هنا الأخذ بالمتشابه وتطبيقه علي أحد مصاديقه التي تؤدي الي الفتنة والزيغ بدون الرجوع للمحکم من القرآن لتشخيص المصداق الصحيح.

أما في سورة النساء قال تعالي:« يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْکُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَي اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن کُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ ذلِکَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» [11] .

وهنا جاء التأويل بمعني بيان الموضوع أو تشخيص نوع الحکم الشرعي عند الاختلاف فيه.

ومن خلال هذه الموارد التي جاءت في القرآن الکريم لمعني التأويل ما عدا الآية المذکورة في سورة آل عمران يمکن القول بأن التأويل غير التفسير ولا نملک دليلاً علي أنها استعملت بمعني التفسير في مورد ما من القرآن الکريم.

والمعني المناسب لتلک الآيات هو أن يکون المراد بتأويل الشي ء هو ما يؤول وينتهي إليه في الخارج، والحقيقة کما تدل عليه مادة الکلمة نفسها، ولهذا أضاف الردّ الي اللَّه والرسول تارة والکتاب اُخري.

وهذا نفسه هو المراد من کلمة التأويل قال تعالي:«فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ» [12] .

فتأويل الآيات المتشابهة ليس معني لبيان مدلولها وتفسير معانيها اللغوية، بل هو ما تؤول إليه تلک المعاني، لأن کل معني عام حين يريد العقل أن يحدده ويجسده ويصوّره في صورة معينة فهذه الصورة المعنية هي تأويل ذلک المعني العام.

وعلي هذا الأساس يکون معني التأويل في هذه الآية هو ما أطلقنا عليه اسم تفسير المعني، لأن الذين في قلوبهم زيغ کانوا يحاولون أن يحددوا صورة معينة لمفاهيم الآيات المتشابهة إثارة للفتنة، لأن کثيراً من الآيات المتشابهة تتعلق معانيها بعوالم الغيب، فتکون محاولة تحديد تلک المعاني وتجسيدها في صورة ذهنية خاصة - مادية أو منسجمة مع هوي ورأي المؤول - عرضة للخطر وللفتنة.

ونستخلص من ذلک أمرين:

أحدهما: التأويل جاء في القرآن بمعني ما يؤول إليه الشي ء لا بمعني التفسير، وقد استخدم بهذا المعني الدلالة علي تفسير المعني لا تفسير اللفظ، أي علي تجسيد المعين العام في صورة ذهنية معينة.

والآخر: إن اختصاص اللَّه سبحانه والراسخين في العلم بالعلم بتأويل الآيات المتشابهة لا يعني أن الآيات المتشابهة ليس لها معني مفهوم، وأن اللَّه وحده هو الذي يعلم بمدلول اللفظ وتفسيره، بل يعني إن اللَّه وحده هو الذي يعلم بالواقع الذي تشير إليه تلک المعاني، ويستوعب حدوده وکنهه، وأما معني اللفظ في الآية المتشابهة فهو مفهوم بدليل أنّ القرآن يتحدث عن اتباع مرضي القلوب للآية المتشابهة، فلولم يکن لها معني مفهوم لما صدق لفظ(الاتباع)هنا، فما دامت الآية المتشابهة يمکن أن تتبع فمن الطبيعي أن يکون لهامعني مفهوم، وکيف لا يکون لها معني مفهوم وهي جزء من القرآن الذي اُنزل لهداية الناس وتبيان کل شي ء!

ويؤکد هذا الفهم لمعني التأويل للأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، حيث تشير أيضاً الي أن التأويل في الغالب هو تطبيق مفاهيم القرآن علي المصاديق المستقبلية، کما يفهم ذلک من رواية الفضيل بن يسار المعتبرة، ورواية المرزبان عن إسحاق بن عمار المعتبرة أيضاً، ورواية زرارة عن أبي جعفر الباقرعليه السلام.

أو يکون التأويل هو اتّباع الضوابط في تشخيص موارد الاختلاف والوجوه المتعددة، مثل رواية العياشي عن عبدالرحمن السلمي: إنّ علياً مرّ علي قاضٍ فقال له:«أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا. قال: هلکت وأهلکت؛ تأويل کل حرف من القرآن علي وجوه» [13] .

أو رواية النعماني في تفسيره عن إسماعيل بن جابر في قول الصادق عليه السلام:«ذلک بأنهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجوا بالمنسوخ وهم يظنّون انّه الناسخ، واحتجوا بالخاص وهم يقدرون أنه العام، واحتجوا بأوّل الآية وترکوا السنّة في تأويلها، ولم ينظروا الي ما يفتح الکلام والي ما يختمه...» [14] .

وکذلک حديث أبي داود عن أنس بن مالک، عن النبي صلي الله عليه وآله:«يا علي أنت تُعلّم الناس تأويل القرآن ممّا لا يعلمون؛ فقال علي: علي ما اُبلغ رسالتک من بعدک يا رسول اللَّه؟ قال: تخبر الناس بما يشکل عليهم من تأويل القرآن» [15] .

إذاً فالتأويل عملية تطبيق وتشخيص تنسجم مع الظاهر والتنزيل والمحکم، وتعتمد علي المعلومات والقواعد والضوابط العامة أو الخاصة التي يتلقاها الإنسان الصالح من اللَّه تعالي، کما في قوله تعالي:«وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِکَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» [16] .


پاورقي

[1] يوسف: 44.

[2] يوسف: 36.

[3] يوسف: 45.

[4] يوسف: 37.

[5] يوسف: 101.

[6] يوسف: 6.

[7] الکهف: 82.

[8] يونس: 39.

[9] الأعراف: 53.

[10] آل عمران: 7.

[11] النساء: 59.

[12] آل عمران: 7.

[13] وسائل الشيعة 149:18 ح 65.

[14] وسائل الشيعة 149:18 ح 62.

[15] المسدر السابق: 144، ح 46.

[16] الکهف: 82.