بازگشت

مدينة العدل


ارست الحضاره الغربيه اسس تقدمها علي قاعده الاهتمام بالانسان و تقديسه. و اعتبرت محوريه الانسان عاملا اساسيا في تقدم الغرب. بيد ان هذا الانسان نفسه، الذي اعتبر هدف التقدم و التطور و غايته، تناسته هذه الحضاره و اهملته. ان ازمه الحضاره الغربيه في مختلف ابعادها الاخلاقيه و الاجتماعيه و التربويه، تشير بوضوح الي هذا الحباط و النسيان.

لقد سخر الغرب امکاناته العلميه و التقنيه لاستعاده الراحه العالميه للانسان الي ما کانت عليه في الماضي. بيد ان الانسان و رغم کل هذه الجهود، لم يحصل علي راحته. فهو يري العالم ضيقا و مظلما و باردا. و يشعر فيه بالتفاهه و الحقاره. و ان هذا لمسير لا يؤدي ـ باعتقاد المنتقدين من داخل هذا النظام ـ الا الي القضاء علي الانسان. فلنقرا ما يکتبه احد الفرنسيين المنتقدين للنظام الغربي:

«ارادت الحضاره الحديثه، في خطواتها الاوليه ان تکون «انسانيه»، و قد اعطت الانسان اصاله بنحو اعتبرته مبدا و غايه کل شيء. بيد ان الحضاره التي رفعت نظريه تقديس الانسان، اضحت بمثابه نظام يحتقر الانسان و يخدعه و يسعي للقضاء عليه. احتقار الانسان بهذا المعني و هو انها حولت الانسان الي آله تؤدي سلسله من الوظائف الماديه و الکميه، و الي ماکينه منحصره بالمنتج و المستهلک».

بيد ان هدفيه المدينه الاسلاميه الفاضله و بالصوره التي ذکرناها، لا تکتفي براحه البدن، و لا بوفره الثروه و الرفاه المادي. بل ان الانسان في تصوير مهندسي هذه المدينه ليس جسدا فحسب، بل موجود ذات ابعاد مختلفه، و ان نموه و تکامله منوط بالنمو المتوازن لجميع هذه الابعاد. و ان تلک الجنه الارضيه لن تتحقق ما لم تحل فيها بارقه السماء. ان تربيه الناس و نموهم الروحي، و الالتفات الي الاخلاق و الفاضل الروحيه، التي هي من اکثر معالم الظهور اهميه و اصاله، تجد معناها في هذا الجانب.

ان المدينه الفاضله في ذات الوقت التي هي مدينه العداله، هي مدينه الرفاه و مدينه الامن ايضا و في ذات الوقت التي هي مدينه التربيه، هي مدينه السجايا و الفضائل الانسانيه ايضا. ففي هذه الاجواء يتربي الافراد الصالحون ليبنوا مجتمعا صالحا و هادفا. و الي جنب حصول الناس علي ثرائهم المادي، ينهلوا من الثراء الروحي و المعنوي. و الي جوار اتمام النعمه و وفور الثروه، يجدون الطريق الي تکامل الاخلاق و الفضائل الانسانيه. اذ تستاصل الاحقاد من القلوب، و ينتفي الکذب و التزوير و الدناءه من العلاقات الاجتماعيه لتحل محلها الصراحه و الصدق و الاخلاق. ففي غير هذه النظره الشامله للانسان، و الي جنب ترتيب اجزائه الحقيقيه في مقابل بعض، لا يستطيع الخوض في تعبير حلم الانسان الدائم في تحقيق اهداف المدينه الانسانيه.