بازگشت

عقيدة فطرية عالمية


الإيمان بحتميّة ظهور المصلح العالميّ ودولته العادلة، لا يختصّ بالأديان السماويّة، بل يشمل المدارس الفکريّة والفلسفيّة غير الدينيّة أيضاً، فالماديّة الجدليّة التي فسّرت التاريخ علي أساس التناقضات، تؤمن بأن هناک يوماً موعوداً تتلاشي فيه التناقضات ويسوده الوئام والسلام. [1] .

کما نجد عدداً من المفکّرين غير الدينيّين يذهبون إلي هذه الحتميّة، فمثلاً يقول المفکّر البريطانيّ الشهير برتراند راسل: (إنّ العالم في انتظار مُصلح يوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد). [2] .

وبنفس هذا المعني يقول العالم الفيزياويّ المعروف آلبرت أنشتاين: (إنّ اليوم الذي يسود العالمَ کلّه فيه السلامُ والصفاء، ويکون الناس متحابّين متآخين ليس ببعيد). [3] .

أما المفکّر الايرلنديّ برناردشو فقد صرّح بأکثر من هذين التصريحين وأدقّ منهما، فقال في وصفه للمصلح ولزوم أن يکون عمره طويلاً قبل ظهوره: (إنّه إنسان حيٌّ، ذو بُنْية جسديّة صحيحة، وطاقةٍ عقليّة خارقة، إنسان أعلي يترقّي إليه هذا الإنسان الأدني بعد جهد طويل، وإنّه يطول عمره حتّي ينيف علي ثلاثمائة سنة، ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار حياته الطويلة). [4] .

أمّا الديانات السماويّة فقد أشارت إلي حتميّة ظهور المصلح العالميّ، والمتتبّع للبشارات السماويّة في الکتب المقدّسة سيجدها تهدي إلي أنّ هذا المصلح هو المهديّ الذي يقول به مذهب أهل البيت عليهم السّلام، کما أثبتته دراسات متعدّدة في نصوص تلک البشارات [5] ، فقد تناول القاضي الساباطيّ إحدي البشارات الواردة في کتاب أشعيا من العهد القديم من الکتاب المقدّس بشأن المصلح العالميّ، فقال: هذا نصّ صريح في المهديّ عليه السّلام.. إلي أن قال:

وقال الإماميّون: بل هو محمّد بن الحسن العسکريّ الذي وُلِد سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، من جارية للحسن العسکريّ اسمها نرجس، في (سُرّ مَن رأي) في عصر المعتمد، ثم غاب سنة [6] ، ثمّ ظهر ثم غاب وهي الغيبة الکبري، ولا يرجع بعدها إلاّ حين يريد الله تعالي.

ولما کان قولهم أقربَ لما يتناوله هذا النصّ، وإنّ هدفي الدفاع عن أُمّة محمّد صلّي الله عليه وآله، مع قطع النظر عن التعصّب لمذهب، لذلک ذکرتُ لک أن ما يدّعيه الإماميّةُ يتطابق مع هذا النصّ. [7] .

کما توصّل محمّد رضا فخر الإسلام، الذي کان نصرانيّاً فاعتنق الإسلام وانتمي إلي مذهب أهل البيت عليهم السّلام، إلي نفس النتيجة التي توصّل إليها الساباطيّ، وقد ألّف کتاباً موسوعيّاً اسمه (أنيس الإسلام) في الردّ علي اليهود والنصاري، تناول في دراسته البشارات؛ وانتهي بأنّها تنطبق علي المهدي بن الحسن العسکري عليه السّلام. [8] .

إذن، فالذي يُمعن النظر في نصوص تلک البشارات؛ يجد أنّها تقدّم مواصفات للمصلح العالميّ لا تنطبق علي غير المهديّ المنتظرعجّل الله تعالي فرَجَه، طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت عليهم السّلام، لذلک فإنّ مَن لم يتعرّف علي هذه العقيدة لا يستطيع التوصّل إلي المصداق الذي تتحدّث عنه تلک البشارات، کما نلاحظ ذلک مثلاً في أقوال مفسّري الإنجيل بشأن الفقرات من (1 ـ 17) من سِفْر الرؤيا، الفصل الثاني عشر (مکاشفات يوحنّا اللاّهوتيّ)، فهم يصرّحون بأنّ الشخص الذي تتحدّث عنه البشارات الواردة في هذه الفقرات لم يُولد بعد؛ لذا فإنّ تفسيرها الواضح ومعناها البيِّن موکول إلي المستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه. [9] .

وهناک عدد من علماء أهل السنّة يذهبون إلي نفس تلک الدراسات ونتائجها، فقد اهتدي مثلاً الأُستاذ سعيد أيّوب بأنّ المصداق الذي تتحدّث عنه الفقرات السابقة من سِفر الرؤيا، هو المصداق الذي تعتقده مدرسة أهل البيت عليهم السّلام، إذ يقول: (مکتوب في أسفار الأنبياء: المهديّ ما في عملهِ عَيب)، ثمّ علّق علي هذا النصّ بالقول: (وأشهد أنّي وجدتُه کذلک في کتب أهل الکتاب، لقد تتبّع أهلُ الکتاب أخبارَ المهديّ کما تتبعوا أخبار جدّه صلّي الله عليه وآله، فدلّت أخبار سفر الرؤيا إلي امرأة، يخرج من صُلبها اثنا عشر رجلاً)، ثم أشار إلي امرأة أُخري، أي التي تلد الرجلَ الأخير الذي هو من صلب جدّته، وقال السِّفر: إنّ هذه المرأة ستحيط بها المخاطر، ورَمَز للمخاطر باسم «التنّين» وقال: (والتنّين وقَفَ أمام المرأة العتيدة حتّي تلد، يبتلع ولدَها متي وَلَدت). [10] .

أي إنّ السلطة کانت تريد قتلَ هذا الغلام، ولکن بعد ولادة الطفل؛ يقول بارکلي في تفسيره: (عندما هجمت عليها المخاطر اختطف اللهُ ولدَها وحَفِظه). والنصّ: (واختطف اللهُ ولدَها) [11] أي: «إن الله غيّبَ هذا الطفل»، کما في قول بارکلي.

وذکر السِّفر: (أنّ غيبة الغلام ستکون ألفاً ومائتين وستّين يوماً [12] ، وهي مدّةٌ لها رموزها عند أهل الکتاب. ثمّ قال بارکلي عن نسل المرأة [الأُولي] عموماً: إنّ التنّين سيعمل حرباً شرسة مع نسل المرأة، کما قال في السفر:

فغضب التّنين علي المرأة، وذهب ليضع حرباً مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا الله). [13] .

وعقّب الأستاذ سعيد أيّوب علي ما تقدّم بالقول: هذه هي أوصاف المهديّ، وهي نفس أوصافه عند الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة. [14] .

ودَعَم قولَه بتعليقات أوردها في الهامش بشأن انطباق الأوصاف علي مهديّ آل البيت عليه وعليهم السّلام. [15] .

لذا فقد أکّدَتْ کثيرٌ من الدراسات بأنّ البشارات تُومئ إلي شخص المهديّ المنتظر بعينه علي طبق ما تذهب إليه مدرسة أهل البيت عليهم السّلام.


پاورقي

[1] بحث حول المهدي، للسيّد الشهيد محمّد باقر الصدر 87.

[2] المهديّ الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيّد عبدالرضا الشهرستانيّ 6.

[3] المهديّ الموعود ودفع الشبهات عنه، للسيّد عبدالرضا الشهرستانيّ 6.

[4] برناردشو: عباس محمود العقاد 124 ـ 125.

[5] راجع کتاب (بشارات عهدين) للشيخ محمّد الصادقيّ الذي تُرجم للعربيّة بعنوان (البشارات والمقارنات).

[6] الثابت إن غيبة الإمام المهديّ عليه السّلام بعد شهادة أبيه استمرت 69 سنة.

[7] البراهين الساباطيّة: نقلاً عن کشف الأستار للميرزا النوريّ 84.

[8] بشارات عهدين لمحمّد الصادقيّ 232.

[9] بشارات عهدين لمحمّد الصادقيّ 264.

[10] سِفر الرؤيا 3:12.

[11] سفر الرؤيا 5:12.

[12] المدّة رمزيّة، وقد وردت في الأصل العبريّ: «وسيغيب عن التنّين زماناً وزمانين ونصف زمان». راجع بشارات العهدين 263.

[13] سفر الرؤيا 13:12.

[14] المسيح الدجّال لسعيد أيوّب 379 ـ 380، نقلاً عنه: (المهديّ المنتظر في الفکر الإسلاميّ) إصدار مرکز الرسالة 13 ـ 14.

[15] راجع الإمام المهديّ، ضمن سلسلة أعلام الهداية : المجمع العالميّ لأهل البيت عليهم السّلام: 9 ـ 24.