بازگشت

ما هو حکم من أنکر امام المهدي؟


لا ريب في أن أحاديث خروج الإمام المهدي عليه السلام متواترة بإجماع من يعتدُّ به من أهل العلم، وأئمة الحديث.

فإنکار هذا الأمر المتواتر جُرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة، البالغة إلي حدِّ التواتر.

وقد سُئل ابن حجر المَکِّي - من علماء السُنَّة - عَمَّن أنکر الإمام المهدي عليه السلام الموعود به، فأجاب: إنَّ ذلک إنْ کان لإنکار السُنَّة رأساً فهو کفر، يُقضي علي قائله بسبب کفره وردّته، فَيُقتل.

وإن لم يکن لإنکار السُنَّة وإنَّما هو مَحض عناد لأئمَّة الإسلام فهو يقتضي التعزير البليغ، والإهانة، بما يراه الحاکم لائقاً بعظيم هذه الجريمة، وقبح هذه الطريقة، وفساد هذه العقيدة، من حبس، وضرب، وصَفْعٍ، وغيرها من الزواجر عن هذه القبائح.

ويرجعه إلي الحقِّ راغماً علي أنفه، ويردُّه إلي اعتقاد ما ورد به الشرع ردعاً عن کفره.

وقد وقفنا علي فتويً للشيخ البهائي قدس سره في هذه المسألة، قال - مجيباً علي من سأله عن خروج الإمام المهدي عليه السلام بقول مطلق، هل هو من ضروريَّات الدين، فمنکره مرتدُّ، أم ليس من ضروريَّاته، لِما يُحکي من خلاف بعض المخالفين فيه، وأنَّ الذي يخرج إنَّما هو عيسي عليه السلام، وهل يکون خلافهم مانعاً من ضروريَّته؟ -:

الأظهر أنَّه من ضروريَّات الدين، لأنه ممَّا انعقد عليه إجماع المسلمين، ولم يخالف فيه إلاَّ شرذمة شاذَّة لا يعبأ بهم، لا يعتمد عليهم ولا بخلافهم، ولا يَقدَحُ خروج أمثال هؤلاء من ربقة الإجماع في حُجِّيَّته، فلا مجال للتوقف في کفرهم، إن لم تکن لَهم شبهة محتملة.

ونقول: تکفير المنکِر عند الفريقين يدور علي أحد أمرين:

أوَّلهما:

ما أشار إليه ابن حجر في الفتاوي الحديثيَّة، وهو ما أخرجه أبو بکر الإسکاف في فوائد الأخبار عن محمد بن المنکدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليه، عنه، قال:

قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

مَن کَذَّبَ بالدجَّال فقد کَفَر، ومَن کَذَّبَ بالمهديِّ فقد کَفَر.

قال ابن حجر في القول المختصر - کما في البرهان -: أي حقيقةً، کما هو المتبادر من اللفظ، لکن إن کان تکذيبه من السُنَّة، أو لاستهتاره بها، أو للرغبة عنها.

فقد قال أئمَّتنا وغيرهم: لو قيل لإنسانٍ: قُصَّ أظفارک، فإنّه من السُنَّة.

فقال: لا أفعله وإن کان سُنّة، رغبةً عنها، فقد کفر، فکذا يقال بمثله.

وثانيهما:

إجماع أهل الإسلام قاطبة، واتِّفاقهم علي مَرِّ الأعصار والأعوام علي خروج المهديِّ المنتظر عليه السلام، حتي عُدَّ ذلک من ضروريات الدين، وهو اتفاق قطعي منهم، لا يشوبه شک، ولا يعتريه ريب.

اللهم إلا من شَذَّ، مِمَّن لا يُعتدُّ بخلافه، ولايلتفت إليه، ولا تکون مخالفته قادحة في حُجِّيَّة الإجماع.

مضافاً إلي تواتر أحاديث الإمام المهدي عليه السلام تواتراً قطعيّاً.

وظاهر أنَّ من أنکر المتواتر من أُمور الشرع والغيب بعد ما ثبت عنده ثبوتاً يقينيّاً فإنّه کافر، لردِّه ما قُطع بصـدوره، وتحقَّقَ ثبوته عـنه صلي الله عليه وآله.

ولا شُبهَة في کفر من ارتکب ذلک بإجماع المسلمين، لأنّ الرادَّ عليه صلي الله عليه وآله کالرادُّ علي الله تعالي، والرادُّ علي الله کافر باتِّفاق أهل المِلَّة، وإجماع أهل القبلة.

ودعوي التواتر صحيحة ثابتة، کما صَرَّح بذلک جمهور أهل العلم من الفريقين.

ولا نعلم رادّاً لها إلا بعض مَن امتطي مطيَّة الجهل، واتَّخذ إلهه هواه، وکابر الحق، فکان حقيقاً بالإعراض عنه.

ونحن نقتصر في هذا المختصر علي نقل کلام جماعة من محقِّقي العلماء في تحقّق التواتر لِتَتَبيَّن جليَّة الحال.

قال الآبري في کتاب مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بکثرة رُوَاتها عن رسول الله صلي الله عليه وآله بذکر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملک سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأنَّ عيسي يخرج فيساعده علي قتل الدجَّال، وأنه يَؤمُّ هذه الأمَّة، ويصلّي عيسي بن مريم خلفه.

وقال بن حجر في الصواعق: الأحاديث التي جاء فيها ذکر ظهور المهدي کثيرة متواترة.

وقال السفاريني الحنبلي في اللوائح: الصواب الذي عليه أهل الحق أن المهدي غير عيسي، وأنه يخرج قبل نزول عيسي عليه السلام.

وقد کثرت بخروجه الروايات حتي بلغت حدّ التواتر المعنوي، فلا معني لإنکارها.

وقال الشوکاني في التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدجَّال والمسيح: الأحاديث الواردة في المهدي التي أمکن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح، والحسن، والضعيف، والمنجبر.

وهي متواترة بلا شکٍّ ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر علي ما هو دونها علي جميع الاصطلاحات المحرَّرة في الأصول.

وأما الآثار عن الصحابة المصرَّحة بالمهدي فهي کثيرة أيضاً، لها حکم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلک.

خلاصة القول:

إن إنکار مسألة الإمام المهدي عليه السلام وإنکار خروجه، أمر عظيم، لا ينبغي التفوُّه به، بل رُبَّما أفضي بصاحبه إلي الکفر والخـروج عن المِلَّة، والعياذ بالله تعالي.

والواجب تلقِّي ما قاله رسول الله صلي الله عليه وآله بالقبول، والإيمان التام، والتسليم به.

فمتي صحَّ الخبر عن رسول الله صلي الله عليه وآله فلا يجوز لأحدٍ أن يعارضه برأيه واجتهاده، بل يجب التسليم، کما قال الله عزَّ وجلَّ:

فَلاَ وَرَبِّکَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّيَ يُحَکِّمُوکَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا النساء 65.

وقد أخبر النبي صلي الله عليه وآله بهذا الأمـر عن الدجَّال، وعن الإمام المهدي عليه السلام، وعن النبي عيسي بن مريم عليهما السلام.

ووجب تلقِّي ما قاله صلي الله عليه وآله بالقبول والإيمان، والحذر من تحکيم الرأي، والتقليد الأعمي، الذي يضرُّ صاحبه ولا ينفعه، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

ولا يسع المجال هنا لاستقصاء کلام الأئمّة عليهم السلام والعلماء في تواتر أحاديث المهدي المنتظر عليه السلام، والتحذير من إنکار شأنه.

لکنَّ ما ذکرناه فيه کفاية إن شاء الله تعالي، والله الهادي إلي سواء السبيل.