الغيبة الصغري و تحديد المبدأ
هنالک نقطة في تحديد مبدأ الغيبة الصغري، هناک نظريات ثلاثة
في مبدأ الغيبة الصغري، ولعلّ هذا البحث بحث بکر:
النظرية الاولي:
الغيبة الصغري إنّما بدأت بمولده عليه السلام، حيث کان مولده مبنيّاً علي الکتمان، فکان الامام سلام الله عليه غائباً منذ ذلک الحين وإلي أن يظهر للعيان بشکل علني عام.
نوقش في هذه النظرية: بأنّ الامام من مولده إلي وفاة أبيه الامام العسکري سلام الله عليه شهيداً، في هذه الفترة الامامة لم تکن له، وهذا خارج عن موضوع الغيبة التي نتحدث عنها، الحديث عن غيبته في فترة إمامته.
لکن هذا الامر سهل، لانّ الفرض من الغيبة مطلق الغيبة، سواء غيبته في عصر إمامة أبيه سلام الله أو غيبته في عصر إمامته، الغرض ملفق من هذا وذاک بحيث المجموع يکون هذه الفترة من مولده عليه السلامإلي هذا المبدأ من مولده عليه السلام إلي وفاة آخر نائب من النواب الاربعة وهو أبو الحسن علي بن محمد السمري رحمه الله سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، فاذا بدأنا سنة مائتين وخمس وخمسين، سنة مولد الامام سلام الله عليه، إلي سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين، يعني قرابة أربعة وسبعين سنة، هذا التحديد طبق النظرية التي ذهب إليها الشيخ المفيد رحمه الله.
والمناقشة في هذه النظرية لا من هذه الجهة التي ذکرها البعض، بل المناقشة من جهة أخري: أنّه ظاهر جملة من الروايات أنّ الامام سلام الله عليه لم يکن غائباً بالمعني المتعارف منذ ولادته، نعم کان محفوظاً إلاّ عن الخاصّة، وکان هناک تکتم علي اللقاء به علي الاجمال بالنحو الذي بيّناه سابقاً، کانت هناک محدوديّة في قضية رؤيته، أما غيبة بتمام المعني وبالمعني الذي نفهمه بحسب الظاهر من مولده لم تشرع، والدليل ما ذکرناه من جملة من الروايات: أن الامام سلام الله عليه کان يأتي إليه مجاميع من أصحابه فيطلعهم عليه، فالغيبة إذن لم تبدأ من حين مولده.
النظرية الثانية:
الغيبة بدأت من حيث شهادة والده الامام العسکري سلام الله عليه، وبالضبط بعد صلاته علي جنازة الامام العسکري عليه السلام في القضية التي رواها أبو الاديان البصري1.
وهذه النظرية يمکن الاخذ بها لولا نظرية أخري وهي:
النظرية الثالثة:
نظرية متوسطة في الواقع، وهي نظرية تقول طبق النص الذي مرّ بنا عن غيبة الشيخ الطوسي أعلي الله مقامه، نظرية تقول بأنّ غيبته بدأت بعد مولده عليه السلام بفترة، بدأت الغيبة وأعلن عن غيبته عليه السلام نفس والده الامام العسکري عليه السلام.
وفي هذا عناية بليغة في واقع الامر، لانّ الامام عليه السلام إمام حاضر، فحينما ينبيء عن غيبة ابنه الامام المهدي سلام الله عليه يکون سکون النفوس إلي ذلک أکثر، بعکس ما لو الامام سلام الله عليه يغيب فجأة بدون سبق إنذار، فالامام العسکري عليه السلام حينما عرضه علي من حضر عنده من شيعته قال: «ألا وإنّکم لا ترونه من بعد يومکم هذا حتي يتم له عمر...»1 إلي أن يذکر مسألة ظهوره في آخر الزمان.
أنا الذي أفهمه والله العالم: أنّ مبدأ الغيبة الصغري من هذا الاعلام بالضبط، وهذا الاعلام أي سنة يمکن تحديده؟ العبارة تقول هکذا: «وإذا غلامٌ کأنّه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد العسکري» يظهر، انّ عبارة غلام تطلق علي الصبي المميز، بينما الامام سلام الله عليه کان عمره قرابة الخمس سنوات لما استشهد والده الامام العسکري عليه السلام، وابن خمس سنوات لا يعبّر عنه غلام، هذا الواقع هو إثارة تساؤل؟
هذا النص أجيب عليه بأحد جوابين:
أنّه أحياناً يحدث أن يکون نمو فوق الطبيعي لبعض الاطفال، هذا ملحوظ، فابن خمس سنوات ربما يبدوا بعينک وکأنّه ابن عشر سنوات مثلاً، هذا جواب.
الجواب الاخر، وهو الجواب الاوجه، وبه رواية في خصوص الامام سلام الله عليه، کما ورد في خصوص الزهراء سلام الله عليها، رواية في قضية نموّها، کذلک في نموّ الامام المهدي سلام الله عليه، وهذا من وجوه الشبه بينه وبين جدّته الصدّيقة فاطمة عليها السلام، يقول: أنّهعليه السلامينمو في الشهر ما ينمو غيره في السنة في دور صباه1، يعني في هذه القضية النمو غير طبيعي في دور الصبا سيکون لهذا الصبي المقدس صلوات الله عليه: أنّه ينمو في دور صباه في الشهر ما ينمو غيره في السنة، فلا يبعد أن يکون عليه السلام هو ابن أربع سنوات وشهور أو خمس سنوات يبدو ـ لا سيما وأنّ هذه النسمة ليست نسمة عادية، نسمة مقدسة، أعدّتها عناية الله عزوجل لليوم العظيم، ادخرتها لذلک اليوم ـ فلا غرابة أن يعد الامام بهذا الاعداد.
فاذن کلمة غلام نفسّرها بعد التحفظات في کلمة صبي، ففي هذا المورد إطلاق الصبي علي الامام يتناسب مع کونه قد قضي سنين من حياة أبيه سلام الله عليه.
ولهذا، الاقرب أنّ الامام سلام الله عليه مثلاً أعلن عن ذلک إما في عام تسعة وخمسين بعد المائتين حيث يکون عمر الامام سلام الله عليه قرابة أربع سنوات، فيمکن القول أنّ الامام سلام الله عليه الذي ولد في منتصف شعبان سنة مائتين وخمس وخمسين وأنّ الامام العسکري سلام الله عليه أعلن عن غيبته في حدود قرابة منتصف شعبان سنة مائتين وتسع وخمسين، وأنّ الامام في هذه الاربع سنوات من سنة خمس وخمسين منتصف شعبان إلي منتصف شعبان سنة تسعة وخمسين بعد المائتين، هذه الفترة لم تکن فترة غيبة، لانّ الاعلان صدر بحسب التقدير المشار إليه في حدود سنة مائتين وتسع وخمسين في منتصف شعبان، فتکون غيبته عليه السلام قد بدأت منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين، يعني قبل شهادة الامام العسکري سلام الله عليه بشهور، واستمرت من منتصف شعبان سنة مائتين وتسعة وخمسين إلي سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين حيث وفاة آخر نائب من نواب الغيبة الصغري، وفي منتصف شعبان أيضاً کانت وفاة آخر نائب من النواب، وهو أبو الحسن علي بن محمد السمري، فاذا حسبنا في هذا المورد من سنة مائتين وتسعة وخمسين منتصف شعبان إلي منتصف شعبان سنة ثلاثمائة وتسعة وعشرين تکون الحصيلة قرابة سبعين سنة، وهذا ما يوافق بعض التحقيقات التي قالت بأنّ فترة غيبته الصغري قرابة سبعين سنة.
هذه نقطة کان ينبغي الاشارة إليها.