التشکيک في اصل الفکرة
إذا لاحظنا البُعد الاوّل من التشکيک، أي: التشکيک في الفکرة من الاساس، فبالامکان أن نجد المسلمين متفقين تقريباً علي بطلان مثل ذلک، فالامامية وغيرهم قد اتفقت کلمتهم علي أنّه سيظهر في آخر الزمان رجلٌ يتم إصلاح العالم علي يده المبارکة، وقد دلّت علي ذلک آيات کثيرة، کما دلّت علي ذلک مجموعة کبيرة من الروايات.
الاستدلال بالايات في بطلان التشکيک:
أمّا الايات فأتمکن أن أقول هي بين خمس إلي ست، طبيعي الايات التي لا تحتاج إلي تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها، وواحدة من تلک الايات ما تلوته علي مسامعکم الشريفة: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ، نور الله هو الاسلام وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ، هذا إخبار من الله عزوجل بأنّ نوره سوف يتمّه علي جميع الکرة الارضية، ومصداق ذلک لم يتحقق بعد، وحيث أنّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الاخبار علي خلاف الواقع، فلابد وأنّ إتمام النور سوف يتحقق يوماً من الايام، ولا يحتمل تحقّقه إلاّ علي يد هذا المصلح وهو الامام صلوات الله عليه، هذه الاية بنفسها ظاهرة بلا حاجة الي تفسير روائي.
ومن هذا القبيل قوله تعالي وَلَقَدْ کَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّکْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُون، المقصود من الارض جميع الارض، ولحدّ الان لم يرث جميع الارض العباد الصالحون، ولابدّ وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل، ولا يحتمل تحققه إلاّ علي يد الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
هاتان الايتان وغيرهما من الايات ـ طبيعي أنا لا أريد أن أقف عند هذا البعد من التشکيک، وإنّما أريد أن أمرّ عليه مرّ الکرام کتمهيد إلي البعد الثاني الذي هو أساس بحثي ـ تدلّ علي فکرة الامام المهدي.
ولکن أعود لاؤکد لکم من جديد أنّ هذه الايات لا تدلّ علي أنّ هذا الشخص قد ولد الان وهو موجود الان وغائب عن أعيننا الان، هذه تدل علي أنّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الامنية في يوم من الايام، الارض يرثها العباد الصالحون ـ جميع الارض ـ ومن الممکن أنّ الامام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل، وتتحقق هذه الامنية علي يده في المستقبل من دون أن يکون مولوداً الان، فمثل هذه الايات لا تثبت ولادة الامام وأنّه غائب، بل من المحتمل أنّه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.
الاستدلال بالروايات علي بطلان التشکيک:
الروايات أيضاً في هذه المجال ـ في أصل فکرة الامام المهدي، وأنّه سوف تتحقق هذه الامنية، ولو من دون دلالة علي أنّ هذا الشخص مولود بالفعل ـ کثيرة وسلّم بها غير الامامية أيضاً، وألّفوا کتباً في جمع هذه الروايات الدالة علي الامام المهدي وأنّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي، والذي اطلعت عليه أنا أکثر من ثلاثين کتاباً للاخوة من العامة غير الامامية في هذا المجال.
ومن باب المثال أقرأ لکم بعض الروايات:
عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا تذهب الدنيا حتي يملک العرب رجلٌ من أهل بيتي يواطيء إسمه إسمي».
حديث آخر: «لا تقوم الساعة حتي تملا الارض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً».
وعلي هذا النسق روايات آخري کثيرة موجودة.
وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفکرة في الجملة غيرنا من الاخوة العامّة، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر، بل في الاونة الاخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز کما ورد في مجلّة الجامعة التي تصدر من المدينة المنوّرة وذکر أنّ هذه الفکرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمکن إنکار هذه الفکرة.
فالمسلمون إذن بشکل عام قد سلّموا بهذه الفکرة، للايات والروايات.
وإذا کان هناک منکر فهو قليل، ويمکن أن يعدّ شاذاً، من قبيل ابن خلدون في تاريخه1 وأبو زهرة في کتابه الامام الصادق2 ومحمد رشيد رضا في کتابه تفسير المنار3 في قوله تعالي: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ4، فانه حينما يمرّ بها هناک يقول: الروايات ضعيفة، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوي ذلک لا أکثر.
علي أي حال أصل فکرة الامام المهدي وأنّه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الامنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريباً إلاّ من شذّ، وقد دلّت عليها الايات کما قلت، والروايات الکثيرة التي جمعت في ثلاثين کتاب أو أکثر للاخوة العامة فقط.