في بيان علة استتاره
(مسألة): فإن قيل: إذا کانت العلة في استتار الإمام خوفه من الظالمين واتقائه من المعاندين فهذه العلة زايلة في أوليائه وشيعته، فيجب أن يکون ظاهرا لهم أو يجب أن يکون التکليف الذي أوجب إمامته لطفا فيه ساقطا عنهم، لأنه لا يجوز أن يکلفوا بما فيه لطف لهم ثم يحرموه بجناية غيرهم.
(الجواب): قلنا: قد أجاب أصحابنا عن هذا بأن العلة في استتاره من الأعداء هي الخوف منهم والتقية. وعلة استتاره من الأولياء لا يمتنع أن يکون لئلا يشيعوا خبره ويتحدثوا عنه مما يؤدي إلي خوفه وان کانوا غير قاصدين بذلک. وقد ذکرنا في کتاب الإمامة جوابا آخر، وهو أن الإمام (عليه السلام) عند ظهوره عن الغيبة إنما يعلم شخصه ويتميز عينه من جهة المعجز
[ صفحه 238]
الذي يظهر علي يديه لان النص المتقدم من آبائه عليهم السلام لا يميز شخصه من غيره، کما يميز النص أشخاص آبائه (عليهم السلام) لما وقع علي إمامتهم.
والمعجز إنما يعلم دلالة وحجة بضرب من الاستدلال، والشبهة معترضة لذلک وداخلة عليه، فلا يمتنع علي هذا أن يکون کل من لم يظهر له من أوليائه، فلان المعلوم من حاله أنه متي ظهر له قصر في النظر في معجزه، ولحق به هذا التقصير عند دخول الشبهة لمن يخاف منه من الأعداء، وقلنا أيضا أنه غير ممتنع أن يکون الإمام عليه السلام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشي من جهته شيئا من أسباب الخوف، فإن هذا مما لا يمکن القطع علي ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم کل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له إلي العلم بحال غيره.
ولو لا أن استقصاء الکلام في مسائل الغيبة يطول ويخرج عن الغرض بهذا الکتاب لأشبعناه ها هنا.
وقد أوردنا منه الکثير في کتابنا في الإمامة ولعلنا نستقصي الکلام فيه ونأتي علي ما لعله لم نورده في کتاب الإمامة في موضع نفرده له، إن أخر الله تعالي في المدة وتفضل بالتأييد والمعونة، فهو المؤول ذلک والمأمول لکل فضل وخير قربا من ثوابه وبعدا من عقابه، والحمد لله رب العالمين وصلي الله علي سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.