بازگشت

تنزيه ابراهيم عن الشک في الله


(مسألة): فإن قيل فما معني قوله تعالي مخبرا عن إبراهيم عليه السلام: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ - فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [1] والسؤال عليکم في هذه الآية من وجهين: أحدهما أنه حکي عن نبيه النظر في النجوم، وعندکم أن الذي يفعله المنجمون من ذلک ضلال، والآخر قوله (ع) إني سقيم. وذلک کذب.

(الجواب): قيل له في هذه الآية وجوه (منها): أن إبراهيم (ع) کانت به علة تأتيه في أوقات مخصوصة، فلما دعوه إلي الخروج معهم نظر إلي



[ صفحه 46]



النجوم ليعرف منها قرب نوبة علته فقال: إني سقيم.

وأراد أنه قد حضر وقت العلة وزمان نوبتها وشارف الدخول فيها.

وقد تسمي العرب المشارف للشئ باسم الداخل فيه، ولهذا يقولون فيمن أدنفه المرض وخيف عليه الموت هو ميت.

وقال الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وآله: (إِنَّکَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ) [2] .

فإن قيل: فلو أراد ما ذکرتموه لقال: فنظر نظرة إلي النجوم ولم يقل في النجوم، لأن لفظة في لا تستعمل إلا فيمن ينظر کما ينظر المنجم.

قلنا ليس يمتنع أن يريد بقوله في النجوم، أنه نظر إليها لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، قال الله تعالي: (وَلَأُصَلِّبَنَّکُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [3] وإنما أراد علي جذوعها، وقال الشاعر:



إسهري ما سهرت أم حکيم

واقعدي مرة لذاک وقومي



وافتحي الباب وانظري في النجوم

کم علينا من قطع ليل بهيم



وإنما أراد انظري إليها لتعرفي الوقت.

(ومنها): أنه يجوز أن يکون الله تعالي أعلمه بالوحي أنه سيمتحنه بالمرض في وقت مستقبل، وإن لم يکن قد جرت بذلک المرض عادته، وجعل تعالي العلامة علي ذلک ظاهرة له من قبل النجوم، إما بطلوع نجم علي وجه مخصوص أو أفول نجم علي وجه مخصوص أو اقترانه بآخر علي وجه مخصوص. فلما نظر إبراهيم في الأمارة التي نصبت له من النجوم قال إني سقيم، تصديقا بما أخبره الله تعالي.

(ومنها): ما قال قوم في ذلک من أن کان آخر أمره الموت فهو سقيم، وهذا حسن، لأن تشبيه الحياة المفضية إلي الموت بالسقم من أحسن التشبيه.



[ صفحه 47]



(ومنها): أن يکون قوله إني سقيم القلب والرأي، حزنا من إصرار قومه علي عبادة الأصنام. وهي لا تسمع ولا تبصر. ويکون قوله فنظر نظرة في النجوم علي هذا المعني، معناه أنه نظر وفکر في أنها محدثة مدبرة مصرفة مخلوقة. وعجب کيف يذهب علي العقلاء ذلک من حالها حتي يعبدوها.

ويجوز أيضا أن يکون قوله تعالي: فنظر نظرة في النجوم، معناه أنه شخص ببصره إلي السماء کما يفعل المفکر المتأمل، فإنه ربما أطرق إلي الأرض وربما نظر إلي السماء استعانة في فکره.

وقد قيل إن النجوم هاهنا هي نجوم النبت، لأنه يقال لکل ما خرج من الأرض وغيرها وطلع، انه نجم ناجم، وقد نجم، ويقال للجميع نجوم، ويقولون نجم قرن الظبي، ونجم ثدي المرأة، وعلي هذا الوجه يکون إنما نظر في حال الفکر والاطراق إلي الأرض، فرأي ما نجم منها، وقيل أيضا إنه أراد بالنجوم ما نجم له من رأيه وظهر له بعد أن لم يکن ظاهرا.

وهذا وإن کان يحتمله الکلام، فالظاهر بخلافه، لأن الإطلاق من قول القائل: نجوم. لا يفهم من ظاهره إلا نجوم السماء دون نجوم الأرض، ونجوم الرأي، وليس کلما قيل فيه إنه نجم، وهو ناجم علي الحقيقة، يصلح أن يقال فيه نجوم بالاطلاق والمرجع في هذا إلي تعارف أهل اللسان.

وقد قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني: إن معني قوله تعالي: فنظر نظرة في النجوم. أراد في القمر والشمس، لما ظن أنهما آلهة في حال مهلة النظر علي ما قصه الله تعالي في قصته في سورة الأنعام. ولما استدل بأفولهما وغروبهما علي أنهما محدثان غير قديمين، ولا إلهين.

وأراد بقوله إني سقيم. إني لست علي يقين من الأمر ولا شفاء من العلم، وقد يسمي الشک بأنه سقيم کما يسمي العلم بأنه شفاء. قال وإنما زال عنه هذا السقم عند زوال الشک وکمال المعرفة. وهذا الوجه يضعف من جهة أن القصة التي حکاها عن إبراهيم فيها هذا الکلام يشهد ظاهره بأنها غير



[ صفحه 48]



القصة المذکورة في سورة الأنعام، وأن القصة مختلفة لأن الله تعالي قال: (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ - إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ - إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ - أَئِفْکًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ - فَمَا ظَنُّکُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ - فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [4] فبين تعالي کما تري أنه جاء ربه بقلب سليم، وإنما أراد أنه کان سليما من الشک وخالصا للمعرفة واليقين.

ثم ذکر أنه عاتب قومه علي عبادة الأصنام، فقال ماذا تعبدون؟ وسمي عبادتهم بأنها إفک وباطل. ثم قال فما ظنکم برب العالمين؟ وهذا قول عارف بالله تعالي مثبت له علي صفاته غير ناظر ممثل ولا شاک، فکيف يجوز أن يکون قوله من بعد ذلک. فنظر نظرة في النجوم، أنه ظنها أربابا وآلهة وکيف يکون قوله إني سقيم؟ أي لست علي يقين ولا شفاء، والمعتمد في تأويل ذلک ما قدمناه.


پاورقي

[1] الصافات الآية 88 - 89.

[2] الزمر الآية 30.

[3] طه الآية 71.

[4] الصافات الآيات 83 - 89.