بازگشت

في ان الزبير لم يلحق بعلي و هو لم يقتل قاتله


(مسألة): فإن قيل فما الوجه ذکره النظام من أن ابن جرموز لما أتي أمير المؤمنين عليه السلام برأس الزبير وقد قتله بوادي السباع، قال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما کان ابن صفية بجبان، ولا لئيم، لکن الحين ومصارع السوء. فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين. فقال (ع) سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار. فخرج ابن جرموز وهو يقول:



أتيت عليا برأس الزبير

وکنت أرجي به الزلفة



فبشر بالنار قبل العيان

فبئس البشارة والتحفة



فقلت له ان قتل الزبير

لولا رضاک من الکلفة



فان ترض ذاک فمنک الرضا

وإلا فدونک لي حلفة



ورب المحلين والمحرمين

ورب الجماعة والألفة



لسيان عندي قتل الزبير

وضرطة عنز بذي الجحفة



قال النظام، وقد کان يجب علي علي عليه السلام أن يقيده بالزبير وکان يجب علي الزبير إذ بان أنه علي خطأ أن يلحق يعلي فيجاهد معه

(الجواب): أنه لا شبهة في أن الواجب علي الزبير أن يعدل إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) أو ينحاز إليه ويبذل نصرته لا سيما ان کان رجوعه علي طريق التوبة والإنابة.

ومن أظهر ما أظهر من المباينة والمحاربة إذا تاب وتبين خطأه يجب عليه أن يظهر ضد ما کان أظهره لا سيما وأمير المؤمنين عليه السلام في تلک الحال مصاف لعدوه ومحتاج إلي نصرة من هو دون الزبير



[ صفحه 210]



في الشجاعة والنجدة، وليس هذا موضع إستقصاء ما يتصل بهذا المعني وقد ذکرناه في کتابنا الشافي المقدم ذکره.

فأما أمير المؤمنين، فإنما عدل أن يقيد ابن جرموز بالزبير لأحد أمرين: إن کان ابن جرموز قتله غدرا وبعد أن آمنه وقتله بعد أن ولي مدبرا، وقد کان أمير المؤمنين عليه السلام أمر أصحابه أن لا يتبعوا مدبرا ولا يجهزوا علي جريح فلما قتل ابن جرموز مدبرا کان بذلک عاصيا مخالفا لأمر إمامه، فالسبب في أنه لم يقيده به أن أولياء الدم الذين هم أولاد الزبير لم يطالبوا بذلک ولا حکموا فيه وکان أکبرهم والمنظور إليه منهم عبدالله محاربا لأمير المؤمنين عليه السلام، مجاهرا له بالعداوة والمشاقة فقد أبطل بذلک حقه، لأنه لو أراد أن يطالب به لرجع عن الحرب وبايع وسلم ثم طالب بعد ذلک فانتصف له منه. وإن کان الأمر الآخر وهو ان يکون إبن جرموز ما قتل الزبير الا مبارزة من غير غدر ولا أمان تقدم علي ما ذهب إليه قوم، فلا يستحق بذلک قودا ولا مسألة ها هنا في القود.

فإن قيل فعلي هذا الوجه ما معني بشارته بالنار؟

قلنا، المعني فيها الخبر عن عاقبة أمره، لان الثواب والعقاب إنما يحصلان علي عواقب الاعمال وخواتيمها، وابن جرموز هذا خرج مع أهل النهروان علي أمير المؤمنين عليه السلام، فقتل هناک. فکان بذلک الخروج من أهل النار لا بقتل الزبير.

فإن قيل: فأي فائدة لاضافة البشارة بالنار إلي قتل الزبير وقتله طاعة وقربة، وإنما يجب ان تضاف البشارة بالنار إلي ما يستحق به النار

قلنا: عن هذا جوابان: أحدهما: أنه (عليه السلام) أراد التعريف والتنبيه، وإنما يعرف



[ صفحه 211]



الإنسان بالمشهور من أفعاله، والظاهر من أوصافه، وابن جرموز کان غفلا خاملا، وکان فعله بالزبير من أشهر ما يعرف به مثله وهذا وجه في التعريف صحيح.

والجواب الثاني: ان قتل الزبير إذا کان بإستحقاق علي وجه الصواب من أعظم الطاعات وأکبر القربات، ومن جري علي يده يظن به الفوز بالجنة، فأراد (عليه السلام) أن يعلم الناس أن هذه الطاعة العظيمة التي يکثر ثوابها إذا لم تعقب بما يفسده غير نافعة لهذا القاتل، وأنه سيأتي من فعله في المستقبل ما يستحق به النار، فلا تظنوا به لما اتفق علي يده من هذه الطاعة خيرا.

وهذا يجري مجري أن يکون لأحدنا صاحب خصيص به خفيف في طاعته مشهور بنصيحته، فيقول هذا المصحوب بعد برهة من الزمان لمن يريد اطرافه وتعجبه: أو ليس صاحبي فلان الذي کانت له من الحقوق کذا وکذا، وبلغ من الاختصاص بي إلي منزلة کذا قتلته وأبحت حريمه وسلبت ماله؟ وان کان ذلک انما استحقه بما تجدد منه في المستقبل، وانما عرف بالحسن من أعماله علي سبيل التعجب وهذا واضح.