في حکمه بعد غنيمة المال و الذرية
(مسألة): فإن قيل فما الوجه فيما ذکره النظام في کتابه المعروف بالنکت من قوله العجب مما حکم به علي بن أبي طالب في حرب أصحاب الجمل، لأنه (ع) قتل المقاتلة ولم يغنم، فقال له قوم من أصحابه إن کان قتلهم حلالا فغنيمتهم حلال، وإن کان قتلهم حراما فغنيمتهم حرام فکيف قتلت ولم تسب؟ فقال (ع) فأيکم يأخذ عائشة في سهمه؟ فقال قوم إن عائشة تصان لرسول الله صلي الله عليه وآله؟ فنحن لا نغنمها ونغنم من ليس سبيله من رسول الله صلي الله عليه وآله سبيلها، قال فلم يجبهم إلي شئ من ذلک. فقال له عبدالله بن وهب الراسبي: أليس قد جاز ان يقتل کل من حارب مع عائشة ولا تقتل عائشة؟ قال بلي قد جاز ذلک وأحله الله عزوجل. فقال له عبدالله بن وهب: فلم لا جاز ان نغنم غير عايشة ممن حاربنا ويکون غنيمة عايشة غير حلال لنا فيما تدفعنا عن حقنا. فأمسک (ع) عن جوابه وکان هذا أول شئ حقدته الشراة علي علي عليه الصلاة والسلام؟
(الجواب): قلنا ليس يشنع أمير المؤمنين عليه السلام ويعترضه في الأحکام الا من قد أعمي الله قلبه وأضله عن رشده، لأنه المعصوم الموفق المسدد علي ما دلت عليه الأدلة الواضحة.
ثم لو لم يکن کذلک وکان علي
[ صفحه 207]
ما يعتقده المخالفون، أليس هو الذي شهد له الرسول صلي الله عليه وآله بأنه (ع) اقضي الأمة واعرفها بأحکام الشريعة؟ وهو الذي شهد صلي الله عليه وآله له بأن الحق معه يدور کيف ما دار؟ فينبغي لمن جهل وجه شئ فعله (ع) ان يعود علي نفسه باللوم ويقر عليها بالعجز والنقص، ويعلم ان ذلک موافق للصواب والسداد، وإن جهل وجهه وضل عن علته.
وهذه جملة يغني التمسک بها عن کثير من التفصيل، واستعمال کثير من التأويل. وأمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل أهل القبلة إلا بعهد من رسول الله صلي الله عليه وآله. وقد صرح (ع) بذلک في کثير من کلامه الذي قد مضي حکاية بعضه، ولم يسر فيهم إلا بما عهده إليه من السيرة. وليس بمنکر ان يختلف أحکام المحاربين فيکون منهم من يقتل ولا يغنم. ومنهم من يقتل ولا يغنم. لان أحکام الکفار في الأصل مختلفة مقاتلو أمير المؤمنين عليه السلام عندنا کفار لقتالهم له.
وإذا کان في الکفار من يقر علي کفره ويؤخذ الجزية منه، ومنهم من لا يقر علي کفره ولا يقعد عن محاربته، إلي غير ذلک مما اختلفوا فيه من الأحکام جاز أيضا ان يکون فيهم من يغنم ومن لا يغنم، لان الشرع لا ينکر فيه هذا الضرب من الاختلاف. وقد روي ان مرتدا علي عهد ابي بکر يعرف بعلانة ارتد، فلم يعرض أبو بکر لما له. وقالت امرأته ان يکن علانة ارتد فانا لم نرتد.
وروي مثل ذلک في مرتد قتل في أيام عمر بن الخطاب، فلم يعرض لما له.
وروي ان أمير المؤمنين عليه السلام قتل مستوردا العجلي ولم يعرض لميراثه. فالقتل ووجوبه ليس بامارة علي تناول المال واستباحته، علي ان الذي رواه النظام من القصة محرف معدول عن الصواب، والذي تظاهرت به الروايات ونقله أهل السير في هذا الباب من طرق مختلفة، أن أمير المؤمنين عليه السلام لما خطب بالبصرة وأجاب عن مسائل شتي سئل عنها، واخبر بملاحم وأشياء تکون بالبصرة، قام إليه عمار بن ياسر رضي الله عنه فقال
[ صفحه 208]
يا أمير المؤمنين، ان الناس يکثرون في أمر الفئ ويقولون من قاتلنا فهو وماله وولده فئ لنا.
وقام رجل من بکر بن وايل يقال له عباد بن قيس، فقال يا أمير المؤمنين والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية، فقال عليه السلام ولم ويحک؟ قال لأنک قسمت ما في العسکر وترکت الأموال والنساء والذرية.
فقال أمير المؤمنين (ع): يا ايها الناس من کانت به جراحة فليداوها بالسمن.
فقال عباد بن قيس جئنا نطلب غنائمنا فجاءنا بالترهات.
فقال عليه السلام ان کنت کاذبا فلا أماتک الله حتي يدرکک غلام ثقيف.
فقال رجل يا أمير المؤمنين ومن غلام ثقيف؟
فقال رجل لا يدع لله حرمة الا انتهکها.
فقال له الرجل أيموت أو يقتل؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام بل يقصمه قاصم الجبارين يخترق سريره لکثرة ما يحدث من بطنه، يا أخا بکر أنت امرؤ ضعيف الرأي، أما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الکبير، وان الأموال کانت بينهم قبل الفرقة يقسم ما حواه عسکرهم، وما کان في دورهم فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا احد أخذناه بذنبه، وان کف عنا لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بکر والله لقد حکمت فيکم بحکم رسول الله صلي الله عليه وآله من أهل مکة قسم ما حواه العسکر، ولم يعرض لما سوي ذلک. وإنما اقتفينا أثره حذو النعل بالنعل.
يا أخا بکر، أما علمت ان دار الحرب يحل ما فيها، ودار الهجرة محرم ما فيها إلا بحق، مهلا مهلا رحمکم الله فإن انتم أنکرتم ذلک علي، فأيکم يأخذ أمه عايشة بسهمه؟
قالوا يا أمير المؤمنين أصبت وأخطأنا وعلمت وجهلنا، أصاب الله بک الرشاد والسداد.
فأما قول النظام ان هذا أول ما حقدته الشراة عليه فباطل، لان الشراة ما شکوا قط فيه عليه السلام ولا ارتابوا بشئ من أفعاله قبل التحکيم الذي منه دخلت الشبهة عليهم، وکيف يکون ذلک وهم الناصرون له بصفين والمجاهدون بين يديه والسافکون دماءهم تحت رايته. وحرب صفين کانت
[ صفحه 209]
بعد الجمل بمدة طويلة فکيف يدعي ان الشک منهم في أمره کان ابتداءه في حرب الجمل لولا ضعف البصائر؟