في قوله ما حدثني احد عن الرسول الا استحلفته
(مسألة): فإن قيل فما الوجه فيما روي عنه عليه الصلاة والسلام من انه قال کنت إذا حدثني احد عن رسول الله صلي الله عليه وآله بحديث استحلفته بالله أنه سمعه عن رسول الله صلي الله عليه وآله فإن حلف صدقته وإلا فلا. وحدثني أبو بکر وصدقني، أو ليس هذا الخبر مما طعن به النظام وقال لا يخلو المحدث عنده من ان يکون ثقة أو متهما. فإن کان ثقة فما معني
[ صفحه 204]
الاستحلاف؟ وان کان متهما فکيف يتحقق قول المتهم بيمينه؟ وإذا جاز ان يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وآله بالباطل جاز ان يحلف علي ذلک بالباطل؟.
(الجواب): قلنا هذا خبر ضعيف مدفوع مطعون علي اسناده، لان عثمان بن المغيرة رواه عن علي بن ربيعة الوالبي عن اسماء بن الحکم الفزاري. قال سمعت عليا عليه السلام يقول کذا وکذا واسماء بن الحکم هذا مجهول عند أهل الرواية لا يعرفونه ولا روي عنه شئ من الأحاديث غير هذا الخبر الواحد.
وقد روي أيضا من طريق سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقري عن اخيه عن جده ابي سعيد رواه هشام بن عمار والزبير بن بکار عن سعد بن سعيد بن ابي سعيد عن أخيه عبدالله بن سعيد عن جده عن أمير المؤمنين عليه السلام. وقال الزبير عن سعد بن سعيد أنه ما أري أخبث منه. وقال أبو عبدالرحمن الشيباني: عبدالله بن سعيد بن ابي سعيد المقري متروک الحديث. وقال يحيي بن معين انه ضعيف.
ورووه من طريق أبي المغيرة المخزومي عن ابن نافع عن سليمان بن يزيد عن المقري وابو مغيرة المخزومي مجهول لا يعرفه أکثر أهل الحديث.
ورووه من طريق عطا بن مسلم عن عمارة عن محرز عن ابي هريرة عن أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: محرز لم يسمع من أمير المؤمنين (ع) بل لم يره، وعمارة وهو عمارة بن حريز وهو ابن هرون العبدي، قيل أنه متروک الحديث.
ومما ينبئ عن ضعف هذا الحديث واختلاله ان من المعروف الظاهر أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يرو عن احد قط حرفا غير النبي صلي الله عليه وآله. وأکثر ما يدعي عليه من ذلک هذا الخبر الذي نحن في الکلام عليه.
وقوله ما حدثني احد عن رسول الله صلي الله عليه وآله إلا استحلفته، يقتضي ظاهره أنه قد سمع اخبارا عنه (ع) من جماعة من الصحابة. والمعلوم خلاف ذلک.
واما تعجب النظام من الاستحلاف ففي غير موضعه، لانا نعلم ان في عرض اليمين تهيبا لمن
[ صفحه 205]
عرضت عليه وتذکيرا بالله تعالي وتخويفا من عقابه، سواء کان من تعرض والاقدام عليها يزيدنا في الثقة بصيرة، وربما قوي ذلک حال الظنين لبعد الاقدام علي اليمين الفاجرة، ولهذا نجد کثيرا من الجاحدين للحقوق متي عرضت عليهم اليمين امتنعوا منها وأقروا بها بعد الجحود واللجاج.
ولهذا استظهر في الشريعة باليمين علي المدعي عليه، وفي القاذف زوجته بالتلفظ باللعان.
ولو أن ملحدا أراد الطعن علي الشريعة واستعمل من الشبهة ما استعمله النظام، فقال اي معني لليمين في الدعاوي، والمستحلف ان کان ثقة فلا معني لأحلافه، وان کان ظنينا متهما فهو بأن يقدم علي اليمين أولي. وکذلک في القاذف زوجته لما کان له جواب إلا ما اجبنا به النظام، وقد ذکرناه.
وقد حکي عن الزبير بن بکار في هذا الخبر تأويل قريب وهو انه قال: کان أبو بکر وعمر إذا جاءهما حديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله لا يعرفانه لا يقبلاه حتي يأتي مع الذي ذکره آخر، فيقوما مقام الشاهدين. قال فأقام أمير المؤمنين عليه السلام اليمين مع دعوي المحدث مقام الشاهد مع اليمين في الحقوق، کما أقاما الرواية في طلب شاهدين عليهما مقام باقي الحقوق.
فان قيل أو ليس هذا الحديث إذا سلمتوه وأخذتم في تأويله يقتضي ان أمير المؤمنين عليه السلام ما کان يعلم الشئ الذي يخبر به عن رسول الله صلي الله عليه وآله؟ وانه کان يستفيده إلا من المخبر، ولولا ذلک لما کان لاستحلافه معني؟ وهذا يوجب انه (ع) کان غير محيط بعلم الشريعة علي ما يذهبون إليه؟.
قلنا: قد بينا الجواب عن هذه الشبهة في کتابنا الملقب بالشافي في الإمامة، وذکرنا انه (ع) وان کان عالما بصحة ما اخبره به المخبر، وأنه من الشرع، فقد يجوز ان يکون المخبر له به ما سمعه من الرسول صلي الله عليه وآله، وإن
[ صفحه 206]
کان من شرعه، ويکون کاذبا في ادعائه السماع، فکان يستحلفه لهذه العلة. وقلنا أيضا لا يمتنع ان يکون ذلک انما کان منه (ع) في حياة الرسول صلي الله عليه وآله وفي تلک الاحوال لم يکن محيطا بجميع الأحکام، بل کان يستفيدها حالا بعد حال.
فان قيل: کيف خص أبا بکر في هذا الباب بما لم يخص به غيره؟
قلنا: يحتمل ان يکون أبو بکر حدثه بما علم أنه سمعه من الرسول وحضر تلقيه له من جهته صلي الله عليه وآله، فلم يحتج إلي استحلافه لهذا الوجه.