بازگشت

عن عدم افتائه بمذاهبه في ايام المتآمرين


(مسألة): فإن قيل: إذا کنتم تروون عنه (ع) وتدعون عليه في أحکام الشريعة مذاهب کثيرة لا يعرفها الفقهاء له مذهبا، وقد کان عليه السلام عندکم يشاهد الأمر يجري بخلافها، فإلا أفتي بمذاهبه ونبه عليها وارشد إليها.

وليس لکم أن تقولوا انه (ع) استعمل التقية کما استعملها فيما تقدم، لأنه (ع) قد خالفهم في مذاهب استبد بها وتفرد بالقول فيها، مثل قطع السارق من الأصابع، وبيع أمهات الأولاد، ومسائل في الحدود، وغير ذلک مما مذهبه (ع) فيه إلي الآن معروف.

فکيف اتقي في بعض وأمن في آخر؟ وحکم الجميع واحد في انه خلاف في أحکام شرعية لا يتعلق بإمامة ولا تصحيح نص ولا إبطال اختيار؟

(الجواب): قلنا: لم يظهر أمير المؤمنين عليه السلام في أحکام الشريعة خلافا للقوم إلا بحيث کان له موافق وان قل عدده، أو بحيث علم ان الخلاف لا يؤول إلي فساد ولا يقتضي إلي مجاهرة ولا مظاهرة.

وهذه حال يعلمها الحاضر بالمشاهدة أو يغلب علي ظنه فيها ما لا يعلمه الغائب ولا يظنه، واستعمال القياس فيما يؤدي إلي الوحشة بين الناس ونفار بعضهم من بعض لا يسوغ، لانا قد نجد کثيرا من الناس يستوحشون في ان يخالفوا في مذهب من المذاهب غاية الاستيحاش، وان لم يستوحشوا من الخلاف فيما هو أعظم منه وأجل موقعا، ويغضبهم في هذا الباب الصغير ولا يغضبهم الکبير. وهذا انما يکون لعادات جرت وأسباب استحکمت، ولاعتقادهم ان بعض الأمور وان صغر في ظاهره، فإنه يؤدي إلي العظائم والکبائر. أو لاعتقادهم ان الخلاف في بعض الأشياء وان کان في ظاهر الأمر کالخلاف في غيره، لا يقع الا مع معاند منافس.

وإذا کان الأمر علي ما ذکرناه لم ينکر أن يکون أمير المؤمنين (ع) انما لم يظهر في جميع مذاهبه التي خالف فيها القوم إظهارا واحدا، لأنه (ع) علم أو غلب في ظنه ان إظهار ذلک يؤدي من



[ صفحه 194]



المحتمل الضرر في الدين إلي ما لا يؤدي إليه إظهار ما أظهره، وهذا واضح لمن تدبره.

وقد دخل في جملة ما ذکرناه الجواب عن قولهم: لم لم يغير الأحکام ويظهر مذاهبه، وما کان مخبوا في نفسه عند افضاء الأمر إليه وحصول الخلافة في يديه، فإنه لا تقية علي من هو أمير المؤمنين وإمام جميع المسلمين، لانا قد بينا ان الأمر ما افضي إليه (ع) إلا بالاسم دون المعني، وقد کان عليه السلام معارضا منازعا مغصصا طول أيام ولايته إلي ان قبضه الله تعالي إلي جنته، وکيف يأمن في ولايته الخلاف علي المتقدمين عليه (ع) رجل من تابعه وجمهورهم شيعة اعدائه (ع).

ومن يري انهم مضوا علي اعدل الأمور وأفضلها، وأن غاية من يأتي بعدهم ان يتبع آثارهم ويقتفي طرائقهم.

وما العجب من ترک أمير المؤمنين عليه السلام ما ترک من اظهار بعض مذاهبه التي کان الجمهور يخالفه فيها، وإنما العجب من اظهار شئ من ذلک مع ما کان عليه من شر الفتنة وخوف الفرقة، وقد کان (ع) يجهر في کل مقام يقومه بما هو عليه من فقد التمکن وتقاعد الأنصار وتخاذل الأعوان، بما ان ذکرنا قليله طال به الشرح وهو (ع) القائل: والله لو ثنيت لي الوسادة لحکمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل الفرقان بفرقانهم، حتي يظهر کل کتاب من هذه الکتب ويقول يا رب ان عليا قد قضي بقضائک.

وهو القائل عليه السلام وقد استأذنه قضاته فقالوا بم نقضي يا أمير المؤمنين فقال (ع): اقضوا بما کنتم تقضون حتي يکون الناس جماعة أو أموت کما مات أصحابي يعني (ع) من تقدم موته من أصحابه والمخلصين من شيعته الذين قبضهم الله تعالي وهم علي احوال التقية والتمسک باطنا بما أوجب الله جل اسمه عليهم التمسک به. وهذا واضح فيما قصدناه.

وقد تضمن کلامنا هذا الجواب عن سؤال من يسأل عن السبب في امتناعه عليه السلام من رد فدک إلي يد مستحقها لما أفضي التصرف في الإمامة إليه (ع).



[ صفحه 195]