في نکاح السبي
فأما ما ذکر في السؤال من نکاح السبي فقد قلنا في هذا الباب ما فيه کفاية لو اقتصرنا عليه لکنا نزيد في الأمر وضوحا، بأن نقول ليس المشار بذلک فيه الا إلي الحنفية أم محمد رضي الله عنه، وقد ذکرنا في کتابنا المعروف بالشافي انه عليه السلام لم يستبحها بالسبي بل نکحها ومهرها، وقد وردت الرواية من طريق العامة فضلا عن طريق الخاصة بهذا بعينه فان البلاذري [1] روي في کتابه المعروف بتاريخ الأشراف، عن علي بن المغيرة بن
[ صفحه 191]
الاثرم وعباس بن هشام الکلبي، عن هشام عن خراش بن اسمعيل العجلي، قال أغارت بنو أسد علي بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر وقدموا بها المدينة في أول خلافة أبي بکر، فباعوها من علي عليه الصلاة والسلام، وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينة علي علي عليه السلام فعرفوها واخبروه بموضعها منهم، فاعتقها ومهرها وتزوجها، فولدت له محمدا وکناه أبا القاسم.
قال وهذا هو الثبت لا الخبر الأول، يعني بذلک خبرا رواه عن المدايني، انه قال بعث رسول الله صلي الله عليه وآله عليا عليه السلام إلي اليمن، فأصاب خولة في بني زبيدة وقد ارتدوا مع عمرو بن معد يکرب، وصارت في سهمه، وذلک علي عهد رسول الله صلي الله عليه وآله فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله: ان ولدت منک غلاما فسمه بإسمي وکنه بکنيتي، فولدت له (ع) بعد موت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها فسماه محمدا وکناه أبا القاسم. وهذا الخبر إذا کان صحيحا لم يبق سؤال في باب الحنفية.
فأما انکاحه عليه السلام إياها، فقد ذکرنا في کتابنا الشافي، الجواب عن هذا الباب مشروحا، وبينا انه (ع) ما أجاب عمر إلي انکاح بنته إلا بعد توعد وتهدد ومراجعة ومنازعة بعد کلام طويل مأثور، أشفق معه من شؤون الحال ظهور ما لا يزال يخفيه منها، وان العباس رحمة الله عليه لما رأي ان الأمر يفضي إلي الوحشة ووقوع الفرقة سأله (ع) رد أمرها إليه ففعل، فزوجها منه.
وما يجري علي هذا الوجه معلوم معروف انه علي غير اختيار ولا إيثار. وبينا في الکتاب الذي ذکرناه انه لا يمتنع أن يبيح الشرع أن يناکح بالإکراه ممن لا يجوز مناکحته مع الاختيار، لا سيما إذا کان المنکح مظهرا للإسلام والتمسک بسائر الشريعة.
وبينا أن العقل لا يمنع من مناکحة الکفار علي سائر انواع کفرهم، وانما المرجع فيما يحل من ذلک أو يحرم إلي الشريعة.
وفعل أمير المؤمنين عليه السلام أقوي حجة في أحکام الشرع، وبينا الجواب عن الزامهم لنا، فلو اکره علي انکاح اليهود والنصاري لکان
[ صفحه 192]
يجوز ذلک، وفرقنا بين الأمرين بأن قلنا إن کان السؤال عما في العقل فلا فرق بين الأمرين، وان کان عما في الشرع فالإجماع يحظر ان تنکح اليهود علي کل حال. وما اجمعوا علي حظر نکاح من ظاهره الإسلام وهو علي نوع من القبيح لکفر به، إذا اضطررنا إلي ذلک واکرهنا عليه.
فإذا قالوا فما الفرق بين کفر اليهودي وکفر من ذکرتم؟
قلنا لهم: وأي فرق بين کفر اليهودية في جواز نکاحها عندکم وکفر الوثنية.
فأما الدخول في الشوري، فقد بينا في کتابنا المقدم ذکره الکلام فيه مستقصي، ومن جملته انه عليه السلام لولا الشوري لم يکن ليتمکن من الاحتجاج علي القوم بفضائله ومناقبه. والأخبار الدالة علي النص بالإمامة عليه، وبما ذکرناه في الأمور التي تدل علي ان أسبابه إلي الإمامة أقوي من أسبابهم، وطرقه إلي تناولها اقرب من طرقهم، ومن کان يصغي لولا الشوري إلي کلامه المستوفي في هذا المعني.
وأي حال لولاها لکانت يقتضي ذکر ما ذکره من المقامات والفضائل، ولو لم يکن في الشوري من الغرض الا هذا وحده لکان کافيا مغنيا.
وبعد، فان المدخل له في الشوري هو الحامل له علي إظهار البيعة للرجلين، والرضا بإمامتهما وامضاء عقودهما، فکيف يخالف في الشوري ويخرج منها وهي عقد من عقود من لم يزل (ع) ممضيا في الظاهر لعقوده حافظا لعهوده، وأول ما کان يقال له انک انما لا تدخل في الشوري لاعتقادک ان الإمامة إليک، وان اختيار الأمة للإمام بعد الرسول باطل، وفي هذا ما فيه. والامتناع من الدخول يعود إليه، ويحمل عليه. وقد قال قوم من أصحابنا انه انما دخل فيها تجويز ان ينال الأمر منها. ومعلوم ان کل سبب ظن معه، أو جواز الوصول إلي الأمر الذي قد تعين عليه القيام به يلزمه (ع) التوصل به الهجرة له. وهذه الجملة کافية في الجواب عن جميع ما تضمنه السؤال.
[ صفحه 193]
پاورقي
[1] البلاذري: (أحمد بن يحيي) مؤرخ عربي ولد في بغداد ودرس فيها، واشتهر بالنقل عن الفارسية. أهم مصنفاته کتاب فتوح البلدان وکتاب أنساب الاشراف. اعترف له الجميع بصحة الرواية والنقد.