فاختلف العلمان في باب البشارة و ان اتفقا في انهما ضروريان في
(مسألة): فان قيل فما معني الخبر الذي رواه أبو هريرة عن النبي صلي الله عليه وآله انه قال ان أحب الأعمال إلي الله تعالي ادومها وان قل فعليکم من الأعمال بما تطيقون فان الله لا يمل حتي تملوا.
[ صفحه 180]
(الجواب): قلنا في تأويل هذا الخبر وجوه کل واحد منها يخرج کلامه صلي الله عليه وآله من حيز الشبهة:
(أولها) انه أراد نفي الملل عنه تعالي، وأنه لا يمل أبدا، فعلقه بما لا يقع علي سبيل التبعيد کما قال عزوجل (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)
وکما قال الشاعر: فانک سوف تحکم أو تباهي - إذا ما شبت أو شاب الغراب أراد انک لا تحکم أبدا.
فان قيل ومن أين لکم ان الذي علقه به لا يقع، حتي حکمتم بأنه أراد نفي الملل علي سبيل التأبيد.
قلنا: معلوم ان الملل لا يشمل البشر في جميع أمورهم وأطوارهم، وأنهم لا يعرفون من حرص ورغبة وأمل وطمع، فلهذا جاز ان يعلق ما علم الله تعالي انه لا يکون تمللهم.
والوجه الثاني: أن يکون المعني انه تعالي لا يغضب عليکم فيطرحکم ويخليکم من فضله وإحسانه حتي تترکوا العمل له وتعرضوا عن سؤاله والرغبة في حاجاتکم إلي جوده. فسمي الفعلين مللا وان لم يکونا علي الحقيقة کذلک علي مذهب العرب في تسميتها الشئ باسم غيره إذا وافق معناه من بعض الوجوه، قال عدي بن زيد العبادي:
ثم اضحوا لعب الدهر بهم
وکذاک الدهر يودي بالرجال
وقال عبيد بن الأبرص الاسدي: سائل بنا حجر بن ام قطام إذ - ظلت به السمر الذوابل تلعب فنسب اللعب إلي الدهر والقنا تشبيها.
[ صفحه 181]
وقال ذو الرمة: وابيض موشي القميص نصبته - علي خصر مقلاة سفيه جديلها فسمي اضطراب زمامها سفها، لان السفه في الأصل هو الطيش وسرعة الاضطراب والحرکة، وانما وصف ناقته بالذکاء والنشاط.
والوجه الثالث: ان يکون المعني انه تعالي لا يقطع عنکم خيره ونائله حتي تملوا من سؤاله، ففعلهم ملل علي الحقيقة، وسمي فعله تعالي مللا وليس علي الحقيقة. وکذلک للازدواج والتشاکل في الصورة، وان کان المعني مختلفا.
ومثله قوله تعالي (فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْکُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْکُمْ) [1] (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا). [2] .
ومثله قول الشاعر: الا لا يجهلن احد علينا - فنجهل فوق جهل الجاهلينا وإنما أراد المجازاة علي الجهل، لان العاقل لا يفخر بالجهل ولا يتمدح به.
واعلم ان لهذه الأخبار والمضافة إلي النبي صلي الله عليه وآله مما يقتضي ظاهرها تشبيها لله تعالي بخلقه أو جورا له في حکمه أو إبطالا لأصل عقلي، نظائر کثيرة، وان کانت لا تجري في الشهرة مجري ما ذکرناه، ومتي تقصينا الکلام علي جميع ذلک طال الکتاب جدا وخرج عن الغرض المقصود به، لا بأشرطنا أن لا نتکلم ولا نتأول فيما يضاف إلي الأنبياء عليهم السلام من المعاصي إلا علي آية من الکتاب، أو خبر معلوم أو مشهور يجري في شهرته مجري المعلوم وفيما ذکرناه بلاغ وکفاية.
نحن نبتدئ بالکلام علي ما يضاف إلي الأئمة عليهم السلام مما ظن ظانون انه قبيح ونرتب ذلک کما رتبناه في الأنبياء عليهم السلام، ومن الله نستمد حسن المعونة والتوفيق.
[ صفحه 182]
پاورقي
[1] البقرة 194.
[2] الشوري 40.