بازگشت

في قول سيدنا محمد سترون ربکم کما ترون القمر ليلة البدر


(مسألة): فإن قيل: فما معني الخبر المروي عن النبي صلي الله عليه



[ صفحه 178]



وآله انه قال: سترون ربکم کما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته وهذا خبر مشهور لا يمکن تضعيفه ونسبته إلي الشذوذ؟.

(الجواب): قلنا: أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه، فإن راويه قيس بن أبي حازم، وقد کان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره علي رواية الاخبار. وهذا قدح لا شبهة فيه لان کل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يکون مردودا، لأنه لا يؤمن أن يکون مما سمع منه في حال الاختلال. وهذه طريقة في قبول الاخبار وردها ينبغي أن يکون أصلا ومعتبرا فيمن علم منه الخروج ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.

علي أن قيسا لو سلم من هذا القدح کان مطعونا فيه من وجه آخر، وهو أن قيس بن أبي حازم کان مشهورا بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والانحراف عنه، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب (ع) علي منبر الکوفة يقول: انفروا إلي بقية الأحزاب، فأبغضته حتي اليوم في قلبي. إلي غير ذلک من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شک في عدالته. علي ان للخبر وجها صحيحا يجوز أن يکون محمولا عليه إذا صح، لان الرؤية قد تکون بمعني العلم، وهذا ظاهر في اللغة ويدل عليه قوله تعالي: (أَلَمْ تَرَ کَيْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِعَادٍ)، وقوله: (أَلَمْ تَرَ کَيْفَ فَعَلَ رَبُّکَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ). وقوله تعالي: (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ).

وقال الشاعر: رأيت الله إذ سمي نزارا - وأسکنهم بمکة قاطنينا فيجوز أن يکون معني الخبر علي هذا انکم تعلمون ربکم علما ضروريا کما تعلمون القمر ليلة البدر من غير مشقة ولا کد نظر.

وليس لأحد أن يقول ان الرؤية إذا کانت بمعني العلم تعدت إلي مفعولين لا يجوز الاقتصار علي احدهما علي مذهب أهل اللسان، والرؤية بالبصر تتعدي إلي مفعول واحد، فيجب أن يحمل الخبر مع فقد المفعول الثاني علي الرؤية



[ صفحه 179]



بالبصر، وذلک أن العلم عند أهل اللغة علي ضربين: علم يقين ومعرفة. والضرب الآخر يکون بمعني الظن والحسبان. والذي هو بمعني البصر لا يتعدي إلي اکثر من مفعول واحد. ولهذا يقولون علمت زيدا بمعني عرفته وتيقنته، ولا يأتون بمفعول ثان وإذا کان بمعني الظن احتاج إلي المفعول الثاني، وقد قيل ليس يمتنع ان يکون المفعول الثاني في الخبر محذوفا يدل الکلام عليه، وإن لم يکن مصرحا به.

فان قيل: يجب علي تأويلکم هذا ان يساوي أهل النار اهل الجنة في هذا الحکم الذي هو المعرقة الضرورية بالله تعالي، لان معارف جميع أهل الآخرة عندکم لا تکون الا اضطرارا. فإذا ثبت ان الخبر بشارة للمؤمنين دون الکافرين بطل تأويلکم.

قلنا: البشارة في هذا الخبر تخص المؤمنين علي الحقيقة، لان الخبر بزوال اليسير من الاذي لمن نعيمه خالص صاف يعد بشارة. ومثل ذلک لا يعد بشارة لمن هو في غاية المکروه ونهاية الالم والعذاب وأيضا فإن علم أهل الجنة بالله ضرورة يزيد في نعيمهم وسرورهم لانهم يعلمون بذلک انه تعالي يقصد بما يفعله لهم من النعيم التعظيم والتبجيل، وأنه يديم ذلک ولا يقطعه. وأهل النار إذا علموه تعالي ضرورة علموا قصده إلي اهانتهم والاستخفاف بهم وادامة مکروهم وعذابهم.