بازگشت

في قول سيدنا محمد ان قلوب بني آدم کلها بين اصبعين


(مسألة): فإن قيل: فما معني الخبر المروي عن عبدالله بن عمر أنه قال سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول: إن قلوب بني آدم کلها بين اصبعين من اصابع الرحمن يصرفها کيف يشاء. ثم يقول رسول الله صلي الله عليه وآله عند ذلک: اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلي طاعتک. والخبر الذي يرويه أنس قال رسول الله: ما من قلب آدمي إلا وهو بين اصبعين من اصابع الله تعالي، فإذا شاء ان يثبته ثبته واذشاء أن يقلبه قلبه؟.

(الجواب): قلنا ان لمن تکلم في تأويل هذه الأخبار ولم يدفعها لمنافاتها لأدلة العقول أن يقول أن الاصبع في کلام العرب وان کانت هي الجارحة المخصوصه، فهي أيضا الأثر الحسن. يقال لفلان علي ماله وابله اصبع حسنة. اي قيام واثر حسن.

قال الراعي واسمه عبيد الله بن الحصين ويکني بأبي جندل، يصف راعيا حسن القيام علي ابله:



ضعيف العصي بادي العروق تري له

عليها إذا ما اجدب الناس اصبعا



وقال لبيد: من يبسط الله عليه اصبعا - بالخير والشر بأي أولعا يملا له منه ذنوبا مترعا



[ صفحه 175]



وقال الآخر: أکرم نزارا واسقه المشعشا - فإن فيه خصلات اربعا مجدا وجودا ويدا واصبعا فإن الاصبع في کل ما أوردناه المراد به الاثر الحسن والنعمة، فيکون المعني ما من آدمي الا وقلبه بين نعمتين لله تعالي جليلتين.

فإن قيل: فما معني تثنية النعمتين ونعم الله تعالي علي عباده لا تحصي کثرة.

قلنا: يحتمل ان يکون الوجه في ذلک نعم الدنيا ونعم الآخرة، وثناهما لانهما کالجنسين أو النوعين. وان کان کل قبيل منهما في نفسه ذا عدد کثير.

ويمکن أن يکون الوجه في تسميتهم الأثر الحسن بالاصبع هو من حيث يشار إليه بالاصبع اعجابا وتنبيها عليه، وهذه عادتهم في تسمية الشئ بما يقع عنده وبما له به علقة وقد قال قوم ان الراعي أراد ان يقول يدا في موضع اصبع، لان اليد النعمة، فلم يمکنه. فعدل عن اليد إلي الاصبع لانها من اليد.

وفي هذه الأخبار وجه آخر وهو أوضح من الوجه الأول وأشبه بمذهب العرب وتصرف ملاحن کلامها، وهو ان يکون الغرض في ذکر الاصابع الاخبار عن تيسير تصريف القلوب وتقليبها والفعل فيها عليه عزوجل، ودخول ذلک تحت قدرته، ألا تري أنهم يقولون هذا الشئ في خنصري واصبعي وفي يدي وقبضتي.

کل ذلک إذا أرادوا وصفه بالتيسير والتسهيل وارتفاع المشقة فيه والمؤونة وعلي هذا المعني يتأول المحققون قوله تعالي: (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [1] فکأنه صلي الله عليه وآله لما أراد المبالغة في وصفه بالقدرة علي تقليب



[ صفحه 176]



القلوب وتصريفها بغير مشقة ولا کلفة، قال إنها بين اصابعه کناية عن هذا المعني واختصارا للفظ الطويل يه.

وقد ذکر قوم في معني الاصابع علي أنها المخلوقات من اللحم والدم استظهارا في الحجة علي المخالف وجها آخر، وهو أنه لا ينکر أن يکون القلب يشتمل عليه جسمان علي شکل الاصبعين، يحرکه الله بهما ويقلبه بالفعل فيهما. ويکون وجه تسميتهما بالاصبعين من حيث کانا علي شکلهما.

والوجه في اضافتهما إلي الله تعالي.

وان کانت جميع أفعاله تضاف إليه بمعني الملک والقدرة، لأنه لا يقدر علي الفعل فيهما وتحريکهما منفردين عما جاوزهما غيره تعالي، وقيل إنهما اصبعان له من حيث اختص بالفعل فيهما علي هذا الوجه.

وهذا التأويل وان کان دون ما تقدمه فالکلام يحتمله، ولابد من ذکر القوي والضعيف إذا کان في الکلام له ادني احتمال.


پاورقي

[1] الزمر 67.