بازگشت

في قول محمد يعذب الميت ببکاء الحي عليه


(مسألة): فإن قيل: فما معني الخبر المروي عن النبي صلي الله عليه وآله انه قال: ان الميت ليعذب ببکاء الحي عليه.

وفي رواية أخري ان الميت يعذب في قبره بالنياحة عليه.

وروي المغيرة بن شعبة عنه صلي الله عليه وآله انه قال: من نيح عليه فإنه يعذب بما يناح عليه؟.

(الجواب): قلنا هذا الخبر منکر الظاهر لأنه يقتضي إضافة الظلم إلي الله تعالي، وقد نزهت أدلة العقول التي لا يدخلها الاحتمال والاتساع والمجاز الله تعالي عن الظلم وکل قبيح. وقد نزه الله تعالي نفسه بمحکم القول عن ذلک فقال عزوجل: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي). [1] .

ولابد من أن نصرف ما ظاهره بخلاف هذه الأدلة إلي ما يطابقها إن أمکن، أو نرده ونبطله.

وقد روي عن ابن عباس في هذا الخبر أنه قال وهل ابن عمر: انما مر رسول الله صلي الله عليه وآله علي قبر يهودي أهله يبکون عليه فقال انهم يبکون عليه وانه ليعذب.

وقد روي إنکار هذا الخبر عن عائشة أيضا، وأنها قالت لما خبرت بروايته: وهل أبو عبد الرحمن کما وهل يوم قليب بدر، انما قال (ع) ان أهل البيت الميت ليبکون عليه، وانه ليعذب بجرمه. فهذا الخبر مردود ومطعون عليه کما تري. ومعني قولهما: وهل: اي ذهب وهمه إلي غير الصواب. يقال وهلت إلي الشئ أو هل وهلا: إذا ذهب وهمک إليه. ووهلت عنه أو هل وهلا: إذا نسيته وغلطت فيه. ووهل الرجل يوهل وهلا: إذا فزع. والوهل: الفزع. وموضع وهله في ذکر القليب أنه روي أن النبي صلي الله عليه وآله وقف علي قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربکم حقا. ثم



[ صفحه 173]



قال: إنهم ليسمعون ما أقول. فأنکر ذلک عليه، وقيل انما قال عليه السلام: أنهم الآن ليعلمون ان الذي کنت أقول لهم هو الحق. واستشهد بقوله تعالي: (إِنَّکَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَي)، ويمکن في الخبر إن کان صحيحا وجوه من التأويل:

أولها: انه إن وصي موص بأن يناح عليه ففعل ذلک بأمره، فإنه يعذب بالنياحة. وليس معني يعذب بها أنه يؤاخذ بفعل النواح، وانما معناه أنه يؤاخذ بأمره بها ووصيته بفعلها، وانما قال صلي الله عليه وآله ذلک لان الجاهلية کانوا يرون البکاء عليهم والنوح ويأمرون به ويؤکدون الوصية بفعله، وهذا مشهور عنهم.

قال طرفة بن العبد:



فان مت فانعيني بما أنا أهله

وشقي عليه الجيب يا ابنة معبد



وقال بشر بن أبي حازم: فمن يک سائلا عن بيت بشر - فان له بجنب الردم بابا ثوي في ملحد لابد منه - کفي بالموت نابا واغترابا رهين بلي وکل فتي سيبلي - فاذري الدمع وانتحبي انتحابا

وثانيها: ان العرب کانوا يبکون موتاهم ويذکرون غاراتهم وقتل أعدائهم، وما کانوا يسلبونه من الأموال ويرونه من الأحوال، فيعدون ما هو معاص في الحقيقة بعذاب الميت بها وإن کانوا يجعلون ذلک من مفاخره ومناقبه، فذکر انکم تبکونهم بما يعذبون به.

وثالثها: أن يکون المعني ان الله تعالي إذا علم الميت ببکاء أهله واعزته عليه تألم لذلک، فکان عذابا له. والعذاب ليس بجار مجري العقاب الذي لا يکون إلا علي ذنب متقدم، بل قد يستعمل کثيرا بمعني الألم والضرر.

ألا تري ان القائل قد يقول لمن ابتدأه بضرر أو ألم: قد عذبتني بکذا وکذا وآذيتني، کما يقول أضررت بي وآلمتني. وإنما لم يستعمل



[ صفحه 174]



العقاب حقيقة في الآلام المبتدئة، من حيث کان اشتقاق لفظة العقاب من المعاقبة التي لابد من تقدم سبب لها وليس هذا في العذاب.

ورابعها: أن يکون أراد بالميت من حضره الموت ودنا منه. فقد يسمي بذلک القوة المقاربة علي سبيل المجاز. فکأنه صلي الله عليه وآله أراد أن من حضره الموت يتأذي ببکاء أهله عنده، ويضعف نفسه، فيکون ذلک کالعذاب له. وکل هذا بين بحمد الله ومنه.


پاورقي

[1] الأنعام 164 - الإسراء 15 - فاطر 18. الزمر 7 - النجم 38.