بازگشت

تنزيه سيدنا محمد عن الذنب


(مسألة): فإن قيل: فما معني قوله تعالي: (لِيَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ) [1] أو ليس هذا صريحا في أن له صلي الله عليه وآله ذنوبا وان کانت مغفورة.

(الجواب): قلنا أما من نفي عنه صلي الله عليه وآله صغائر الذنوب مضافا إلي کبائرها، فله عن هذه الآية أجوبة نحن نذکرها ونبين صحيحها من سقيمها.

منها: انه أراد تعالي بإضافة الذنب إليه ذنب أبيه آدم عليه السلام. وحسنت هذه الإضافة لاتصال القربي، وعفوه لذلک، من حيث اقسم آدم علي الله تعالي به، فأبر قسمه، فهذا المتقدم. والذنب المتأخر هو ذنب شيعته وشيعة أخيه عليه السلام. وهذا الجواب يعترضه أن صاحبه نفي عن نبي ذنبا واضافه إلي آخر. والسؤال عليه فيمن اضافه إليه کالسؤال فيمن نفاه عنه.



[ صفحه 163]



ويمکن إذا أردنا نصرة هذا الجواب أن نجعل الذنوب کلها لامته صلي الله عليه وآله، ويکون ذکر التقدم والتأخر إنما أراد به ما تقدم زمانه وما تأخر، کما يقول القائل مؤکدا: قد غفرت لک ما قدمت وما أخرت وصفحت عن السالف والآنف من ذنوبک.

ولأضافه ذنوب أمته إليه وجه في الاستعمال معروف لان القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل انتم فعلتم کذا وکذا وقلتم فلانا وان کان الحاضرون ما شهدوا ذلک ولا فعلوه وحسنت الإضافة للاتصال والتسبب ولا سبب اوکد مما بين الرسول صلي الله عليه وآله وأمته فقد يجوز توسعا وتجوزا أن تضاف ذنوبهم إليه (ومنها) انه سمي ترک الندب ذنبا وحسن ذلک لأنه صلي الله عليه وآله ممن لا يخالف الأوامر إلا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره فجاز ان يسمي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسم ذنبا وهذا الوجه يضعفه علي بعد هذه التسمية انه لا يکون معني لقوله انني اغفر ذنبک ولا وجه في معني الغفران يليق بالعدول عن الندب (عن الذنب).

ومنها: ان القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب کما قلناه في قوله تعالي: (عَفَا اللّهُ عَنکَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ). وهذا ليس بشئ لان العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الألفاظ أن يجري مجري الدعاء، مثل قولهم: غفر الله لک، وليغفر الله لک، وما أشبه ذلک.

ولفظ الآية بخلاف هذا لان المغفرة جرت فيها مجري الجزاء والغرض في الفتح. وقد کنا ذکرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر مما تقدم، وهو أن يکون المراد بقوله ما تقدم من ذنبک الذنوب إليک، لان الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلي الفاعل والمفعول معا، ألا تري أنهم يقولون: أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلي الفاعل، وأعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلي المفعول. ومعني المغفرة علي هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لأحکام



[ صفحه 164]



أعدائه من المشرکين عليه، وذنوبهم إليه في منعهم إياه عن مکة وصدهم له عن المسجد الحرام.

وهذا التأويل يطابق ظاهر الکلام حتي تکون المغفرة غرضا في الفتح ووجها له. وإلا فإذا أراد مغفرة ذنوبه لم يکن لقوله: (إِنَّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحًا مُّبِينًا - لِيَغْفِرَ لَکَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ) معني معقول، لان المغفرة للذنوب لا تعلق لها بالفتح، إذ ليست غرضا فيه.

وأما قوله تعالي: (مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِکَ وَمَا تَأَخَّرَ)، فلا يمتنع أن يريد به ما تقدم زمانه من فعلهم القبيح لک ولقومک وما تأخر، وليس لأحد أن يقول ان سورة الفتح نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله بين مکة والمدينة وقد انصرف من الحديبية.

وقال قوم من المفسرين: ان الفتح أراد به فتح خيبر، لأنه کان تاليا لتلک الحال، وقال آخرون: بل أراد به أنا قضينا لک في الحديبية قضاء حسنا.

فکيف يقولون ما لم يقله أحد من أن المراد بالآية فتح مکة، والسورة قد نزلت قبل ذلک بمدة طويلة، وذلک ان السورة وان کانت نزلت في الوقت الذي ذکر وهو قبل فتح مکة، فغير ممتنع ان يريد بقوله تعالي (إِنَّا فَتَحْنَا لَکَ فَتْحًا مُّبِينًا) فتح مکة. ويکون ذلک علي طريق البشارة له والحکم بأنه سيدخل مکة وينصره الله علي اهلها، ولهذا نظائر في القرآن، والکلام کثير.

ومما يقوي أن الفتح في السورة أراد به فتح مکة قوله تعالي: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَکُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِکَ فَتْحًا قَرِيبًا) [2] فالفتح القريب ههنا هو فتح خيبر. وأما حمل الفتح علي القضاء الذي قضاه في الحديبية فهو خلاف الظاهر.

ومقتضي الآية لان الفتح بالإطلاق الظاهر منه



[ صفحه 165]



الظفر والنصر. ويشهد بأن المراد بالآية ما ذکرناه قوله تعالي: (وَيَنصُرَکَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا).

فإن قيل: ليس يعرف اضافة المصدر إلي المفعول إلا إذا کان المصدر متعديا بنفسه، مثل قولهم: أعجبني ضرب زيد عمرا. وإضافة مصدر غير متعد إلي مفعوله غير معروفة.

قلنا: هذا تحکم في اللسان وعلي أهله لأنهم في کتب العربية کلها أطلقوا ان المصدر يضاف إلي الفاعل والمفعول معا، ولم يستثنوا متعديا من غيره، ولو کان بينهما فرق لبينوه وفصلوه کما فعلوا في غيره وليس قلة الاستعمال معتبرة في هذا الباب لان الکلام إذا کان له أصل في العربية استعمل عليه، وان کان قليل الاستعمال.

وبعد فإن ذنبهم ههنا إليه انما هو صدهم له عن المسجد الحرام ومنعهم إياه عن دخوله، فمعني الذنب متعد، وإذا کان معني المصدر متعديا جاز أن يجري ما يتعدي بلفظه، فإن من عادتهم ان يحملوا الکلام تارة علي معناه وأخري علي لفظه، ألا تري إلي قول الشاعر: جئني بمثل بني بدر لقومهم - أو مثل اخوة منظور بن سيار فاعمل الکلام علي المعني دون اللفظ، لانه لو أعمله علي اللفظ دون المعني لقال: أو مثل: بالجر، لکنه لما کان معني، جئني احضر، أو هات قوما مثلهم.

حسن أن يقول أو مثل بالفتح، وقال الشاعر: درست وغير آيهن مع البلي - الا رواکد جمرهن هباء ومشجج [3] اما سوار قذي له - فبدا وغيب سارة المعزاء فقال: ومشجج بالرفع اعمالا للمعني، لانه لما کان معني قوله الا رواکد أنهن باقيات ثابتات عطف علي ذلک المشجج بالرفع.

ولو أجري



[ صفحه 166]



الکلام علي لفظه لنصب المعطوف به أو أمثله هذا المعني کثير. وفيما ذکرناه کفاية بمشيئة الله تعالي.


پاورقي

[1] الفتح 2.

[2] الفتح 27.

[3] مشجج - وتد.