(مسألة): فإن قيل فما معني قوله تعالي: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَکَ صَدْرَکَ - وَوَضَعْنَا عَنکَ وِزْرَکَ - الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَکَ) [1] أو ليس هذا صريحا في وقوع المعاصي منه صلي الله عليه وآله؟.

(الجواب): قلنا أما الوزر في أصل اللغة فهو الثقل، وإنما سميت الذنوب بأنها أوزارا لأنها تثقل کاسبها وحاملها. فإذا کان أصل الوزر ما ذکرناه، فکل شئ أثقل الإنسان وغمه وکده وجهده جاز أن يسمي وزرا، تشبيها بالوزر الذي هو الثقل الحقيقي.

وليس يمتنع أن يکون الوزر في الآية انما أراد به غمه صلي الله عليه وآله وهمه بما کان عليه قومه من الشرک، وأنه کان هو وأصحابه بينهم مستضعفا مقهورا. فکل ذلک مما يتعب الفکر ويکد النفس.

فلما أن أعلي الله کلمته ونشر دعوته وبسط يده خاطبه بهذا الخطاب تذکيرا له بمواقع النعمة عليه، ليقابله بالشکر والثناء والحمد.

ويقوي هذا التأويل قوله تعالي: (وَرَفَعْنَا لَکَ ذِکْرَکَ) وقوله عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا - إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) والعسر بالشدائد والغموم أشبه، وکذلک اليسر بتفريج الکرب وإزالة الهموم والغموم اشبه.

فإن قيل: هذا التأويل يبطله ان هذه السورة مکية نزلت علي النبي صلي الله عليه وآله وهو في الحال الذي ذکرتم انها تغمه من ضعف الکلمة وشدة الخوف من الأعداء، وقبل أن يعلي الله کلمة المسلمين علي المشرکين، فلا وجه لما ذکرتموه.



[ صفحه 162]



قلنا: عن هذا السؤال جوابان: أحدهما انه تعالي لما بشره بأنه يعلي دينه علي الدين کله ويظهره عليه ويشفي صلي الله عليه وآله من أعدائه وغيظه، وغيظ المؤمنين به، کان بذلک وضعا عنه ثقل غمه بما کان يلحقه من قومه، ومطيبا لنفسه ومبدلا عسره يسرا، لأنه يثق بأن وعد الله تعالي حق ما يخلف، فامتن الله تعالي عليه بنعمة سبقت الامتنان وتقدمته.

والجواب الآخر: أن يکون اللفظ وان کان ظاهره الماضي، فالمراد به الاستقبال.

ولهذا نظائر کثيرة في القرآن والاستعمال. قال الله تعالي: (وَنَادَي أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) وقوله تعالي: (وَنَادَوْا يَا مَالِکُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّکَ)، إلي غير ذلک مما شهرته تغني عن ذکره.