بازگشت

تنزيه سيدنا محمد عن معاتبته في الأسري


(مسألة): فإن قيل: فما معني قوله تعالي: (مَا کَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَکُونَ لَهُ أَسْرَي حَتَّي يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَکِيمٌ). [1] .

وقوله: (لَّوْلاَ کِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ



[ صفحه 158]



عَذَابٌ عَظِيمٌ) [2] أو ليس هذا يقتضي عتابه علي استبقاء الاساري وأخذ عرض الدنيا عوض عن قتلهم؟.

(الجواب): قلنا ليس في ظاهر الآية ما يدل علي انه صلي الله عليه وآله عوتب في شأن الأساري، بل لو قيل ان الظاهر يقتضي توجه الآية إلي غيره لکان أولي، لان قوله تعالي: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ)، وقوله تعالي: (لَّوْلاَ کِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّکُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، لا شک أنه لغيره، فيجب ان يکون المعاتب سواه.

والقصة في هذا الباب معروفة والرواية بها متظافرة، لان الله تعالي أمر نبيه صلي الله عليه وآله بأن يأمر أصحابه بأن يثخنوا في قتل أعدائهم بقوله تعالي: (فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ کُلَّ بَنَانٍ) [3] وبلغ النبي صلي الله عليه وآله ذلک إلي أصحابه فخالفوه، وأسروا يوم بدر جماعة من المشرکين طمعا في الفداء، فأنکر الله تعالي ذلک عليهم وبين ان الذي أمر به سواه.

فإن قيل: فإذا کان النبي صلي الله عليه وآله خارجا عن العتاب فما معني قوله تعالي: (مَا کَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَکُونَ لَهُ أَسْرَي)؟

قلنا: الوجه في ذلک لان الأصحاب انما أسروهم ليکونوا في يده صلي الله عليه وآله. فهم اسراؤه علي الحقيقة ومضافون إليه، وإن کان لم يأمرهم بأسرهم بل أمر بخلافه.

فان قيل: افما شاهدهم النبي صلي الله عليه وآله وقت الأسر فکيف لم ينههم عنه؟.

قلنا: ليس يجب أن يکون عليه السلام مشاهدا لحال الأسر، لأنه کان



[ صفحه 159]



علي ما وردت به الرواية يوم بدر جالسا في العريش، ولما تباعد أصحابه عنه اسروا من أسروه من المشرکين بغير علمه صلي الله عليه وآله فإن قيل: فما بال النبي صلي الله عليه وآله لم يأمر بقتل الاساري لما صاروا في يده وان کان خارجا من المعصية وموجب العتاب، أو ليس لما استشار أصحابه فأشار عليه ابو بکر باستبقائهم وعمر باستيصالهم رجع إلي رأي ابي بکر، حتي روي أن العتاب کان من اجل ذلک؟.

قلنا: أما الوجه في أنه عليه السلام لم يقتلهم فظاهر، لأنه غير ممتنع أن تکن المصلحة في قتلهم وهم محاربون، وان يکون القتل أولي من الأسر، فإذا اسروا تغيرت المصلحة وکان استبقاؤهم أولي، والنبي صلي الله عليه وآله لم يعمل براي أبي بکر إلا بعد أن وافق ذلک ما نزل به الوحي عليه.

وإذا کان القرآن لا يدل بظاهر ولا فحوي علي وقوع معصية منه صلي الله عليه وآله في هذا الباب فالرواية الشاذة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها.

وبعد: فلسنا ندري من أي وجه تضاف المعصية إليه صلي الله عليه وآله في هذا الباب، لأنه لا يخلو من أن يکون أوحي إليه صلي الله عليه وآله في باب الاساري بأن يقتلهم، أو لم يوح إليه فيه بشئ، ووکل ذلک إلي اجتهاده ومشورة أصحابه، فإن کان الأول فليس يجوز أن يخالف ما أوحي إليه، ولم يقل احد أيضا في هذا الباب أنه صلي الله عليه وآله خالف النص في باب الاساري، وإنما يدعي عليه انه فعل ما کان الصواب عند الله خلافه، وکيف يکون قتلهم منصوصا عليه بعد الأسر وهو يشاور فيه الأصحاب ويسمع فيه المختلف من الأقوال وليس لأحد أن يقول إذا جاز أن يشاور في قتلهم واستحيائهم، وعنده نص بالاستحياء، فهلا جاز أن يشاور وعنده نص في القتل، وذلک أنه لا يمتنع أن يکون أمر بالمشاورة قبل أن ينص له علي أحد الأمرين، ثم أمر بما وافق إحدي المشورتين فاتبعه.

وهذا لا يمکن المخالف أن يقول مثله، وان کان لم يوح إليه في باب الاساري شئ ووکل إلي اجتهاده ومشورة أصحابه، فما



[ صفحه 160]



باله يعاتب وقد فعل ما أداه إليه الاجتهاد والمشاورة، وأي لوم علي من فعل الواجب ولم يخرج عنه، وهذا يدل علي ان من اضاف إليه المعصية قد ضل عن وجه الصواب.


پاورقي

[1] الأنفال 67.

[2] الأنفال 68.

[3] الأنفال 12.