بازگشت

تنزيه سيدنا محمد عن معاتبة الله له


(مسألة): فإن قيل فما تأويل قوله تعالي: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِکْ عَلَيْکَ زَوْجَکَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِکَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) [1] أو ليس هذا عتابا له صلي الله عليه وآله من حيث اضمر ما کان ينبغي أن يظهره وراقب من لا يجب أن يراقبه فما الوجه في ذلک؟.

(الجواب): قلنا: وجه هذه الآية معروف وهو ان الله تعالي لما أراد نسخ ما کان عليه الجاهلية من تحريم نکاح زوجة الدعي، والدعي هو الذي کان احدهم يجتبيه ويربيه ويضيفه إلي نفسه علي طريق البنوة، وکان من عادتهم أن يحرموا علي أنفسهم نکاح أزواج أدعيائهم کما يحرمون نکاح أزواج أبنائهم، فأوحي الله تعالي إلي نبيه صلي الله عليه وآله ان زيد بن حارثة وهو دعي رسول الله صلي الله عليه وآله سيأتيه مطلقا زوجته، وأمره ان يتزوجها بعد فراق زيد لها ليکون ذلک ناسخا لسنة الجاهلية التي تقدم ذکرها، فلما حضر زيد مخاصما زوجته عازما علي طلاقها، أشفق الرسول من أن يمسک عن وعظه وتذکيره لا سيما وقد کان يتصرف علي أمره وتدبيره، فرجف المنافقون به إذا تزوج المرأة يقذفونه بما قد نزهه الله تعالي عنه فقال له (أَمْسِکْ عَلَيْکَ زَوْجَکَ) تبرؤا مما ذکرناه وتنزها، وأخفي في نفسه عزمه علي نکاحها بعد طلاقه لها لينتهي إلي أمر الله تعالي فيها.

ويشهد بصحة هذا التأويل قوله تعالي: (فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاکَهَا لِکَيْ لَا يَکُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَکَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا) [2] فدل علي ان العلة في أمره في نکاحها ما ذکرناه من نسخ السنة المتقدمة.



[ صفحه 156]



فإن قيل العتاب باق علي کل حال لأنه قد کان ينبغي أن يظهر ما أظهره ويخشي الله ولا يخشي الناس.

قلنا: أکثر ما في الآية إذا سلمنا نهاية الاقتراح فيها أن يکون صلي الله عليه وآله فعل ما غيره أولي منه، وليس أن يکون صلي الله عليه وآله بترک الأولي عاصيا. وليس يمتنع علي هذا الوجه أن يکون صبره علي قذف المنافقين اهانته بقولهم أفضل وأکثر ثوابا، فيکون أبداء ما في نفسه أولي من إخفائه علي انه ليس في ظاهر الآية ما يقتضي العتاب، ولا ترک الأولي.

وأما إخباره بأنه (اخفي ما الله مبديه) فلا شئ فيه من الشبهة، وانما هو خير محض.

وأما قوله (وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) ففيه أدني شبهة، وإن کان الظاهر لا يقتضي عند التحقيق ترک الأفضل، لأنه اخبر أنه يخشي الناس وان الله أحق بالخشية، ولم يخبر انک لم تفعل إلا حق وعدلت إلي الادون، ولو کان في الظاهر بعض الشبهة لوجب ان نترکه ونعدل عنه للقاطع من الأدلة.

وقد قيل ان زيد بن حارثة لما خاصم زوجته زينب بنت جحش وهي ابنة عمة رسول الله صلي الله عليه وآله وأشرف علي طلاقها اضمر رسول الله صلي الله عليه وآله انه إن طلقها زيد تزوجها من حيث کانت ابنة عمته. وکان يجب ضمها إلي نفسه کما يجب احدنا ضم قراباته إليه، حتي لا ينالهم بؤس ولا ضرر. فاخبر الله تعالي رسول الله صلي الله عليه وآله والناس بما کان يضمره من إيثار ضمها إلي نفسه ليکون ظاهر الأنبياء صلي الله عليه وآله وباطنهم سواء.

ولهذا قال رسول الله صلي الله عليه وآله للأنصار يوم فتح مکة وقد جاء عثمان بعبدالله بن أبي سرح وسأله أن يرضي عنه، وکان رسول الله صلي الله عليه وآله قبل ذلک قد هدر دمه فأمر بقتله، فلما رأي عثمان استحي من رده ونکس طويلا ليقتله بعض المؤمنين فلم يفعل المؤمنون ذلک انتظارا منهم لأمر رسول الله صلي الله عليه وآله مجددا، فقال للأنصار: أما کان فيکم رجل يقوم إليه فيقتله؟ فقال له عباد بن بشر: يا رسول الله صلي الله عليه وآله ان عيني ما زالت في عينک انتظارا ان تومئ إلي فاقتله. فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله:



[ صفحه 157]



الأنبياء صلي الله عليه وآله لا يکون لهم خائنة أعين. وهذا الوجه يقارب الأول في المعني.

فان قيل: فما المانع مما وردت به الرواية من ان رسول الله صلي الله عليه وآله رأي في بعض الأحوال زينب بنت جحش فهواها فلما أن حضر زيد لطلاقها أخفي في نفسه عزمه علي نکاحها بعده وهواه لها، أو ليس الشهوة عندکم التي قد تکون عشقا علي بعض الوجوه من فعل الله تعالي وأن العباد يقدرون عليها؟ وعلي هذا الوجه يمکنکم إنکار ما تضمنه السؤال.

قلنا: لم ننکر ما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة أن فعل الشهوة يتعلق بفعل العباد وأنها معصية قبيحة، بل من جهة أن عشق الأنبياء عليهم السلام لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم وحاط من مرتبتهم ومنزلتهم، وهذا مما لا شبهة فيه، وليس کل شئ يجب أن يجتنبه الأنبياء صلي الله عليه وآله مقصورا علي افعالهم.

ألا تري ان الله تعالي قد جنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة، وکل ذلک ليس من فعلهم، وأوجبنا أيضا أن يجتنبوا الأمراض المنفرة والخلق المشينة کالجذام والبرص وتفاوت الصور واضطرابها، وکل ذلک ليس من مقدورهم ولا فعلهم.

وکيف يذهب علي عاقل ان عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه، ونحن نعلم انه لو عرف بهذه الحال بعض الأمناء والشهود لکان ذلک قادحا في عدالته وخافضا في منزلته، وما يؤثر في منزلة احدنا أولي من ان يؤثر في منازل من طهره الله وعصمه وأکمله وأعلي منزلته. وهذا بين لمن تدبره.


پاورقي

[1] الأحزاب 37.

[2] الأحزاب 37.