بازگشت

تنزيه آدم


تنزيه آدم عن الغواية: (مسألة) فمما تعلقوا به قوله تعالي في قصة آدم (ع): (وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي). [1] قالوا وهذا تصريح بوقوع المعصية التي لا تکون إلا قبيحة، وأکده بقوله (فَغَوَي)، وهذا تصريح بوقوع المعصية، والغي ضد الرشد.

(الجواب): يقال لهم أما المعصية فهي مخالفة الأمر، والأمر من الحکيم تعالي قد يکون بالواجب وبالمندوب معا، فلا يمتنع علي هذا أن يکون آدم عليه السلام مندوبا إلي ترک التناول من الشجرة، ويکون بمواقعتها تارکا نفلا وفضلا وغير فاعل قبيحا، وليس يمتنع أن يسمي تارک النفل عاصيا کما يسمي بذلک تارک الواجب.

فإن تسمية من خالف ما أمر به سواه کان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهرة، ولهذا يقولون أمرت فلانا بکذا وکذا من الخير فعصاني وخالفني، وإن لم يکن ما أمره به واجبا، وأما قوله (فغوي)، فمعناه أنه خاب، لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترک التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم. فإذا خالف الأمر ولم يصر إلي ما



[ صفحه 25]



ندب إليه، فقد خاب لا محالة، من حيث أنه لم يصر إلي الثواب الذي کان يستحق بالامتناع، ولا شبهة في أن لفظ غوي يحتمل الخيبة. قال الشاعر:



فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره

ومن يغو لا يعدم علي الغي لائما



فإن قيل: کيف يجوز أن يکون ترک الندب معصية؟ أو ليس هذا يوجب أن توصف الأنبياء (ع) بأنهم عصاة في کل حال، وأنهم لا ينفکون من المعصية لأنهم لا يکادون ينفکون من ترک الندب؟

قلنا: وصف تارک الندب بأنه عاص توسع وتجوز والمجاز لا يقاس عليه ولا يعدي به عن موضعه.

ولو قيل إنه حقيقة في فاعل القبيح وتارک الأولي والأفضل، ولم يجز إطلاقه أيضا في الأنبياء (ع) إلا مع التقييد لأن استعماله قد کثر في القبائح، فإطلاقه بغير تقييد موهم، لکنا نقول: إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبايح فلا يجوز ذلک، وإن أردت أنهم ترکوا ما لو فعلوه استحقوا الثواب وکان أولي فهم کذلک.

فإن قيل: فأي معني لقوله تعالي: (ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَي) [2] وأي معني لقوله تعالي: (فَتَلَقَّي آدَمُ مِن رَّبِّهِ کَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [3] فکيف تقبل توبة من لم يذنب؟ أم کيف يتوب من لم يفعل القبيح؟

قلنا: أما التوبة في اللغة: الرجوع، ويستعمل في واحد منا وفي القديم تعالي. والثاني أن التوبة عندنا وعلي أصولنا فغير موجبة لا سقاط العقاب، وإنما يسقط الله تعالي العقاب عندها تفضلا، والذي توجبه التوبة وتؤثره هو استحقاق الثواب، فقبولها علي هذا الوجه إنما هو ضمان الثواب عليها.

فمعني قوله تعالي: (تاب عليه) أنه قبل توبته وضمن له ثوابها،



[ صفحه 26]



ولا بد لمن ذهب إلي أن معصية آدم عليه السلام صغيرة من هذا الجواب، لأنه إذا قيل له کيف تقبل توبته وتغفر له معصيته؟ قد وقعت في الأصل مکفرة لا يستحق عليها شيئا من العقاب، لم يکن له بد من الرجوع إلي ما ذکرناه، والتوبة قد تحسن أن تقع ممن لا يعهد من نفسه قبيحا علي سبيل الانقطاع إلي الله تعالي والرجوع إليه، ويکون وجه حسنها في هذا الموضع استحقاق الثواب بها أو کونها لفظا، کما يحسن أن تقع ممن يقطع علي أنه غير مستحق للعقاب، وأن التوبة لا تؤثر في إسقاط شئ يستحقه من العقاب، ولهذا جوزوا التوبة من الصغائر وإن لم تکن مؤثرة في إسقاط ذم ولا عقاب.

فإن قيل: الظاهر من القرآن بخلاف ما ذکرتموه، لأنه أخبر أن آدم عليه السلام منهي عن أکل الشجرة بقوله: (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَکُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [4] وبقوله: (أَلَمْ أَنْهَکُمَا عَن تِلْکُمَا الشَّجَرَةِ)؟ [5] وهذا يوجب بأنه (ع) عصي بأن فعل منهيا عنه ولم يعص بأن ترک مأمورا به.

قلنا: أما النهي والأمر معا فليسا يختصان عندنا بصيغة ليس فيها احتمال ولا اشتراک، وقد يؤمر عندنا بلفظ النهي وينهي بلفظ الأمر، فإنما يکون النهي نهيا بکراهة المنهي عنه.

فإذا قال تعالي: ولا تقربا هذه الشجرة، ولم يکره قربها، لم يکن في الحقيقة ناهيا، کما أنه تعالي لما قال: (اعملوا ما شئتم وإذا حللتم فاصطادوا)، ولم يرد ذلک، لم يکن أمرا.

فإذا کان قد صح قوله (وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ) إرادة لترک التناول، فيجب أن يکون هذا القول أمرا، وإنما سماه منهيا عنه، ويسمي أمره له بأنه نهي من حيث کان فيه معني النهي، لأن النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل، وتزهيدا في الفعل نفسه.

ولما کان الأمر ترغيبا في الفعل المأمور به وتزهيدا في ترکه، جاز أن يسمي نهيا. وقد يتداخل هذان الوصفان في الشاهد فيقول أحدنا قد



[ صفحه 27]



أمرت فلانا بأن لا يلقي الأمير، وإنما يريد أنه نهاه عن لقائه، ويقول نهيتک عن هجر زيد وإنما معناه أمرتک بمواصلته، فإن قيل ألا جعلتم النهي منقسما إلي منهي قبيح ومنهي غير قبيح، بل يکون ترکه أفضل من فعله، کما جعلتم الأمر منقسما إلي واجب وغير واجب.

قلنا الفرق بين الأمرين ظاهر، لأن انقسام المأمور به في الشاهد إلي واجب وغير واجب غير مدفوع، ولا خاف، وليس يمکن أحد أن يدفع أن في الأفعال الحسنة التي يستحق بها المدح والثواب ما له صفة الوجوب، وفيها ما لا يکون کذلک.

فإذا کان الواجب مشارکا للندب في تناول الإرادة له واستحقاق الثواب والمدح به، فليس يفارقه إلا بکراهة الترک.

لأن الواجب ترکه مکروه والنفل ليس کذلک. فلو جعلنا الکراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحکيم تعالي، وکذلک النهي.

کما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب، لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول، فإن قيل: فما معني حکايته تعالي عنهما قولهما: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) وقوله تعالي: (فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ).

قلنا: معناه أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما کنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة، وحرمناها الفايدة الجليلة من التعظيم من ذلک الثواب، وإن لم يکن مستحقا قبل أن يفعل الطاعة التي يستحق بها، فهو في حکم المستحق، فيجوز أن يوصف بذلک من فوت نفسه بأنه ظالم لها، کما يوصف من فوت نفسه المنافع المستحقة. وهذا معني قوله تعالي: (فَتَکُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ).

فإن قيل فإذا لم تقع من آدم عليه السلام علي قولکم معصية، فلم أخرج من الجنة علي سبيل العقوبة وسلب لباسه علي هذا الوجه؟ ولولا أن الاخراج من الجنة وسلب اللباس علي سبيل الجزاء علي الذنب، کما قال الله



[ صفحه 28]



تعالي: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا) [6] وقال تعالي في موضع آخر: (فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا کَانَا فِيهِ)؟. [7] .

قلنا: نفس الإخراج من الجنة لا يکون عقابا، لأن سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة، وإنما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان علي سبيل الاستخفاف والإهانة.

وکذلک نزع اللباس وإبداء السوأة.

فلو کانت هذه الأمور مما يجوز أن تکون عقابا ويجوز أن يکون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلي غيره، بدلالة أن العقاب لا يجوز أن يستحقه الأنبياء عليهم السلام.

فإذا فعلنا ذلک فيما يجوز أن يکون واقعا علي سبيل العقوبة، فهو أولي فيما لا يجوز أن يکون کذلک، فإن قيل فما وجه ذلک إن لم تکن عقوبة؟.

قلنا: لا يمتنع إن يکون الله تعالي علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم عليه السلام في الجنة وتکليفه فيها متي لم يتناول من الشجرة، فمتي تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتکليفه في دار غيرها هو المصلحة.

وکذلک القول في سلب اللباس حتي يکون نزعه بعد التناول من الشجرة هو المصلحة کما کانت المصلحة في تبقيته قبل ذلک، وإنما وصف إبليس بأنه مخرج لهما من الجنة من حيث وسوس إليهما وزين عندهما الفعل الذي يکون عنده الإخراج، وإن لم يکن علي سبيل الجزاء عليه لکنه يتعلق به تعلق الشرط في مصلحته، وکذلک وصف بأنه مبدئ لسوأتهما من حيث أغواهما، حتي أقدما علي ما سبق في علم الله تعالي بأن اللباس معه ينزع عنهما، ولا بد لمن ذهب إلي أن معصية آدم عليه السلام صغيرة لا يستحق بها العقاب من مثل هذا التأويل، وکيف يجوز أن يعاقب الله تعالي نبيه بالإخراج من الجنة أو غيره من العقاب، والعقاب لا بد من أن يکون مقرونا بالاستخفاف والإهانة، وکيف يکون من تعبدنا الله فيه بنهاية التعظيم والتبجيل



[ صفحه 29]



مستحقا منا ومنه تعالي الاستخفاف والإهانة: وأي نفس تسکن إلي مستخف بقدره مهان موبخ مبکت؟ وما يجيز مثل ذلک علي الأنبياء (ع) إلا من لا يعرف حقوقهم ولا يعلم ما تقضيه منازلهم.

حول إيحاء إبليس لحواء بتسمية ولدها عبد الحارث:

(مسألة) فإن قال قائل فما قولکم في قوله تعالي (هُوَ الَّذِي خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْکُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَکُونَنَّ مِنَ الشَّاکِرِينَ - فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَي اللّهُ عَمَّا يُشْرِکُونَ) [8] أو ليس ظاهر هذه الآية يقتضي وقوع المعصية من آدم (ع) لأنه لم يتقدم من يجوز صرف هذه الکناية في جميع الکلام إليه إلا ذکر آدم (ع) وزوجته، لأن النفس الواحدة هي آدم وزوجها المخلوق منها هي حواء.

فالظاهر علي ما ترون ينبي عما ذکرناه، علي أنه قد روي في الحديث أن إبليس لعنه الله تعالي، لما أن حملت حواء عرض لها وکانت ممن لا يعيش لها ولد.

فقال لها أحببت أن يعيش ولدک فسميه عبد الحارث، وکان إبليس قد سمي الحارث، فلما ولدت سمت ولدها بهذه التسمية. فلهذا قال تعالي: (جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء فِيمَا آتَاهُمَا).

(الجواب): يقال له قد علمنا أن الدلالة العقلية التي قدمناها في باب أن الأنبياء عليهم السلام لا يجوز عليهم الکفر والشرک والمعاصي غير محتملة، ولا يصح دخول المجاز فيها.

والکلام في الجملة يصح فيه الاحتمال وضروب المجاز، فلا بد من بناء المحتمل علي ما لا يحتمل، فلو لم نعلم تأويل هذه الآية علي سبيل التفصيل، لکنا نعلم في الجملة أن



[ صفحه 30]



تأويلها مطابق لدلالة العقل.

وقد قيل في تأويل هذه الآية ما يطابق دليل العقل ومما يشهد له اللغة وجوه.

(منها) أن الکناية في قوله سبحانه: (جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء فِيمَا آتَاهُمَا) غير راجعة إلي آدم (ع) وحواء، بل إلي الذکور والإناث من أولادهما، أو إلي جنسين ممن اشترک من نسلهما.

وإن کانت الکناية الأولي تتعلق بهما ويکون تقدير الکلام: فلما آتي الله آدم وحواء الولد الصالح الذي تمنياه وطلباه جعل کفار أولادهما ذلک مضافا إلي غير الله تعالي.

ويقوي هذا التأويل قوله سبحانه: (فَتَعَالَي اللّهُ عَمَّا يُشْرِکُونَ).

وهذا ينبئ علي أن المراد بالتثنية ما أردناه من الجنسين أو النوعين، وليس يجب من حيث کانت الکناية المتقدمة راجعة إلي آدم (ع) وحواء، أن يکون جميع ما في الکلام راجعا إليهما، لأن الفصيح قد ينتقل من خطاب مخاطب إلي خطاب غيره، ومن کناية إلي خلافها.

قال الله تعالي: (إِنَّا أَرْسَلْنَاکَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا - لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) [9] فانصرف من مخاطبة الرسول صلي الله عليه وآله إلي مخاطبة المرسل إليهم، ثم قال: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ) [10] يعني الرسول، ثم قال (وَتُسَبِّحُوهُ) يعني مرسل الرسول.

فالکلام واحد متصل بعضه ببعض والکناية مختلفة کما تري.

وقال الهذلي: يا لهف نفسي کأن جدة خالد - وبياض وجهک للتراب الأعفر ولم يقل بياض وجهه.

وقال کثير: أسيئ بنا أو أحسني لا ملومة - لدينا ولا مقلية إن تقلت فخاطب ثم ترک الخطاب.



[ صفحه 31]



وقال الآخر: فدي لک ناقتي وجميع أهلي - ومالي أنه منه أتاني ولم يقل منک أتاني.

فإن قيل، کيف يکني عمن لم يتقدم له ذکر؟.

قلنا: لا يمتنع ذلک، قال الله تعالي: (حَتَّي تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) [11] ولم يتقدم للشمس ذکر، وقال الشاعر: لعمرک ما يغني الثراء عن الفتي - إذا حشرجت يوما وضاق بي الصدر ولم يتقدم للنفس ذکر.

والشواهد علي هذا المعني کثيرة جدا علي أنه قد تقدم ذکر ولد آدم (ع)، وتقدم أيضا ذکرهم في قوله تعالي: (هو الذي خلقکم من نفس واحدة) [12] ومعلوم أن المراد بذلک جميع ولد آدم عليه السلام.

وتقدم أيضا ذکرهم في قوله تعالي: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً) لأن المعني أنه لما أتاهما ولدا صالحا. والمراد بذلک الجنس، وإن کان اللفظ لفظ وحدة. وإذا تقدم مذکوران وعقبا بأمر لا يليق بأحدهما، وجب أن يضاف إلي من يليق به.

والشرک لا يليق بآدم عليه السلام، فيجب أن ننفيه عنه، وإن تقدم ذکره وهو يليق بکفار ولده ونسله فيجب أن نعلقه بهم.

(ومنها) ما ذکره أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني، فإنه يحمل الآية علي أن الکناية في جميعها غير متعلقة بآدم (ع) وحواء، فيجعل الهاء في (تَغَشَّاهَا) والکناية في (دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا) و (آتَاهُمَا صَالِحاً) راجعين إلي من أشرک.

ولم يتعلق بآدم (ع) من الخطاب إلا قوله تعالي: (خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) قال: والإشارة في قوله: (خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) إلي



[ صفحه 32]



الخلق عامة.

وکذلک قوله: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ثم خص منها بعضهم، کما قال الله تعالي: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُکُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّي إِذَا کُنتُمْ فِي الْفُلْکِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) [13] فخطاب الجماعة بالتسيير، ثم خص راکب البحر.

وکذلک هذه الآية أخبرت عن جملة أمر البشر بأنهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها، وهما آدم وحواء.

ثم عاد الذکر إلي الذي سأل الله تعالي ما سأل فلما أعطاه إياه، أدعي له الشرکاء في عطيته. قال وجايز أن يکون عني بقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) المشرکين خصوصا، إذا کان کل بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها، ويکون المعني في قوله تعالي: (خَلَقَکُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ).

وهذا قد يجئ کثيرا في القرآن وفي کلام العرب.

قال الله تعالي: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [14] والمعني فاجلدوا کل واحد منهم ثمانين جلدة.

وهذا الوجه يقارب الوجه الأول في المعني وإن خالفه في الترتيب.

(ومنها) أن تکون الهاء في قوله: (جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء) راجعة إلي الولد لا إلي الله تعالي، ويکون المعني أنهما طلبا من الله تعالي أمثالا للولد الصالح، فشرکا بين الطلبتين.

ويجري هذا القول مجري قول القائل: طلبت مني درهما فلما أعطيتک شرکته بآخر، أي طلبت آخر مضافا إليه. فعلي هذا الوجه لا يمتنع أن تکون الکناية من أول الکلام إلي آخره راجعة إلي آدم وحواء عليهما السلام.

فإن قيل: فأي معني علي هذا الوجه لقوله: (فَتَعَالَي اللّهُ عَمَّا يُشْرِکُونَ) وکيف يتعالي الله عن أن يطلب منه ولد بعد آخر.



[ صفحه 33]



(قلنا) لم ينزه الله تعالي نفسه عن هذا الإشراک، وإنما نزهها عن الإشراک به، وليس يمتنع أن ينقطع هذا الکلام عن حکم الأول، ويکون غير متعلق به، لأنه تعالي قال: (أَيُشْرِکُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [15] فنزه نفسه تعالي عن هذا الشرک دون ما تقدم، وليس يمتنع انقطاع اللفظ في الحکم عما يتصل به في الصورة، وهذا کثير في القرآن وفي کلام العرب [16] لأن من عادة العرب أن يراعوا الألفاظ أکثر من مراعاة المعاني، فکأنه تعالي لما قال جعلا له شرکاء فيما آتاهما، وأراد الاشتراک في طلب الولد، جاء بقوله تعالي عما يشرکون علي مطابقة اللفظ الأول، وإن کان الثاني راجعا إلي الله تعالي، لأنه يتعالي عن اتخاذ الولد وما أشبهه.

ومثله قول النبي قد سئل عن العقيقة فقال: لا أحب العقوقة، ومن شاء منکم أن يعق عن ولده فليفعل. فطابق اللفظ وإن أختلف المعنيان وهذا کثير في کلامهم.

فأما ما يدعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه، لأن الأخبار يجب أن تبني علي أدلة العقول، ولا تقبل في خلال ما تقتضيه أدلة العقول.

ولهذا لا تقبل أخبار الجبر والتشبيه، ونردها أو نتأولها إن کان لها مخرج سهل.

وکل هذا لو لم يکن الخبر الوارد مطعونا علي سنده مقدوحا في طريقه، فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع، لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئا في قول البغداديين.

وقد يدخل الوهن علي هذا الحديث من وجه آخر، لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما



[ صفحه 34]



رواه خلف بن سالم عن إسحاق بن يوسف عن عوف عن الحسن في قوله تعالي: (فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء فِيمَا آتَاهُمَا) قال هم المشرکون.

وبإزاء هذا الحديث ما روي عن سعيد بن جبير وعکرمة والحسن وغيرهم، من أن الشرک غير منسوب إلي آدم وزوجته عليهما السلام وأن المراد به غيرهما وهذه جملة واضحة.



[ صفحه 35]




پاورقي

[1] سورة طه الآية 121.

[2] سورة طه الآية 122.

[3] سورة البقرة الآية 37.

[4] البقرة الآية 35.

[5] الأعراف الآية 22.

[6] الأعراف الآية 20.

[7] البقرة الآية 36.

[8] الأعراف 189 - 190.

[9] الفتح الآية 8 - 9.

[10] الفتح الآية 9.

[11] ص الآية 32.

[12] الأعراف الآية 189.

[13] يونس الآية 22.

[14] النور 4.

[15] الأعراف 191.

[16] في نسخة زيادة هکذا قال الشريف المرتضي في قوله تعالي: (جَعَلاَ لَهُ شُرَکَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَي اللّهُ عَمَّا يُشْرِکُونَ). فايدة: إذا کان الثاني غير الأول لأن من عاده: الخ.