بازگشت

تنزيه سليمان عن الشح وعدم القناعة


(مسألة): فإن قيل فما معني قول سليمان عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْکًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّکَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [1] أو ليس ظاهر هذا القول منه (ع) يقتضي الشح والظن والمنافة لأنه لم يقنع بمسألة الملک حتي أضاف إلي ذلک أن يمنع غيره منه؟.

(الجواب) قلنا: قد ثبت أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون إلا ما يؤذن لهم في مسألته، لا سيما إذا کانت المسألة ظاهرة يعرفها قومهم.

وجايز أن يکون الله تعالي أعلم سليمان (ع) أنه إن سأل ملکا لا يکون لغيره کان أصلح له في الدين والاستکثار من الطاعات، وأعلمه أن غيره لو سأل ذلک لم يجب إليه من حيث لا صلاح له فيه.

ولو أن أحدنا صرح في دعائه بهذا الشرط حتي يقول اللهم اجعلني أيسر أهل زماني وارزقني مالا يساويني فيه غيري إذا علمت أن ذلک أصلح لي وأنه أدعي إلي ما تريده مني، لکان هذا



[ صفحه 140]



الدعاء منه حسنا جميلا وهو غير منسوب به إلي بخل ولا شح. وليس يمتنع أن يسأل النبي هذه المسألة من غير إذن إذا لم يکن شرط ذلک بحضرة قومه، بعد أن يکون هذا الشرط مرادا فيها، وإن لم يکن منطوقا به، وعلي هذا الجواب اعتمد أبو علي الجبائي.

ووجه آخر: وهو أن يکون عليه السلام إنما التمس أن يکون ملکه آية لنبوته ليتبين بها عن غيره ممن ليس نبيا.

وقوله لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي أراد به لا ينبغي لأحد غيري ممن أتي مبعوث إليه، ولم يرد من بعده إلي يوم القيامة من النبيين (ع). ونظير ذلک أنک تقول للرجل أنا أطيعک ثم لا أطيع أحدا بعدک، تريد ولا أطيع أحدا سواک. ولا تريد بلفظة بعد المستقبل، وهذا وجه قريب.

وقد ذکر أيضا في هذه الآية ومما لا يذکر فيها مما يحتمله الکلام أن يکون (ع) إنما سأل ملک الآخرة وثواب الجنة التي لا يناله المستحق إلا بعد انقطاع التکليف وزوال المحنة، فمعني قوله لا ينبغي لأحد من بعدي أي لا يستحقه بعد وصولي إليه أحد من حيث لا يصح أن يعمل ما يستحق به لانقطاع التکليف.

ويقوي هذا الجواب قوله رَبِّ اغْفِرْ لِي وهو من أحکام الآخرة. وليس لأحد أن يقول إن ظاهر الکلام بخلاف ما تأولتم، لأن لفظة بعدي لا يفهم منها بعد وصولي إلي الثواب. وذلک أن الظاهر غير مانع من التأويل الذي ذکرناه، ولا مناف له. لأنه لا بد من أن تعلق لفظة بعدي بشئ من أحواله المتعلقة به، وإذا علقناها بوصوله إلي الملک کان ذلک في الفايدة ومطابقة الکلام کغيره مما يذکر في هذا الباب.

ألا تري أنا إذا حملنا لفظة بعدي علي نبوتي أو بعد مسألتي أو ملکي، کان ذلک کله في حصول الفايدة به، يجري مجري أن تحملها إلي بعد وصولي إلي الملک. فإن ذلک مما يقال فيه أيضا بعدي.

ألا تري أن القائل يقول دخلت الدار بعدي ووصلت إلي کذا وکذا بعدي، وإنما يريد بعد دخولي وبعد وصولي وهذا واضح بحمد الله.



[ صفحه 141]




پاورقي

[1] ص 35.