بازگشت

بيان الوجه في اخذ موسي برأس اخيه يجره


(مسألة): فإن قيل: فما وجه قوله تعالي حکاية عن موسي عليه السلام: (وَأَلْقَي الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَکَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [1] أو ليس ظاهر هذه الآية يدل علي أن هرون عليه السلام أحدث ما أوجب إيقاع ذلک الفعل منه؟ وبعد فما الاعتذار لموسي (ع) من ذلک وهو فعل السخفاء والمتسرعين وليس من عادة الحکماء المتماسکين؟.

(الجواب) قلنا: ليس فيما حکاه الله تعالي من فعل موسي وأخيه عليهما السلام ما يقتضي وقوع معصية ولا قبيح من واحد منهما، وذلک أن موسي (ع) أقبل وهو غضبان علي قومه لما أحدثوا بعده مستعظما لفعلهم مفکرا منکرا ما کان منهم، فأخذ برأس أخيه وجره إليه کما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلک عند الغضب وشدة الفکر.

ألا تري أن المفکر الغضبان قد يعض علي شفيته ويفتل أصابعه ويقبض علي لحيته؟ فأجري موسي (ع) أخاه هرون مجري نفسه، لأنه کان أخاه وشريکه وحريمه، ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه، فصنع به ما يصنعه الرجل بنفسه في أحوال الفکر والغضب، وهذه الأمور تختل أحکامها بالعادات، فيکون ما هو إکرام في بعضها استخافا في غيرها، ويکون ما هو استخفاف في موضع إکراما في آخر.

وأما قوله: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، فليس يدل علي أنه وقع علي



[ صفحه 117]



سبيل الاستخفاف، بل لا يمتنع أن يکون هرون (ع) خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل لسوء ظنهم أنه منکر عليه معاتب له، ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع آخر: (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) [2] .

وفي موضع آخر: (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَکَادُواْ يَقْتُلُونَنِي) إلي آخر الآية، ويمکن أن يکون قوله: (لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي) ليس علي سبيل الامتعاظ والأنفة (أي الغيرة)، لکن معني کلامه: (لا تغضب ولا يشتد جزعک وأسفک) لأنا إذا کنا قد جعلنا فعله ذلک دلالة الغضب والجزع فالنهي عنه في المعني نهي عنهما.

وقال قوم إن موسي عليه السلام لما جري من قومه من بعده ما جري اشتد حزنه وجزعه، ورأي من أخيه هرون عليه السلام مثل ما کان عليه من الجزع والقلق، أخذ برأسه إليه متوجعا له مسکنا له، کما يفعل أحدنا بمن تناله المصيبة العظيمة فيجزع لها ويقلق منها.

وعلي هذا الجواب يکون قوله لا تشمت بي الأعداء لا يتعلق بهذا الفعل، بل يکون کلاما مستأنفا.

وأما قوله علي هذا الجواب لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، فيحتمل أن يريد أن لا تفعل ذلک وغرضک التسکين مني فيظن القوم أنک منکر علي.

وقال قوم في هذه الآية إن بني إسرائيل کانوا علي نهاية سوء الظن بموسي عليه السلام، حتي أن هرون (ع) کان غاب عنهم غيبة فقالوا لموسي أنت قتلته، فلما وعد الله تعالي موسي ثلاثين ليلة وأتمها له بعشر وکتب له في الألواح کل شئ وخصه بأمور شريفة جليلة الخطر بما أراه من الآية في الجبل ومن کلام الله تعالي له وغير ذلک من شريف الأمور، ثم رجع إلي أخيه، أخذ برأسه ليدنيه إليه ويعلمه ما جدده الله تعالي له من ذلک ويبشره به، فخاف هرون (ع) أن يسبق إلي قلوبهم ما لا أصل له، فقال إشفاقا علي موسي



[ صفحه 118]



عليه السلام: لا تأخذ بلحيتي، ولا برأسي لتبشرني بما تريده بين أيدي هؤلاء فيظنوا بک ما لا يجوز عليک ولا يليق بک والله تعالي أعلم بمراده من کلامه.


پاورقي

[1] الأعراف 150.

[2] طه 94.