بازگشت

شعيب


في قول شعيب (ع) استغفروا ربکم ثم توبوا:

(مسألة): فإن قيل: ما معني قوله تعالي في الحکاية عن شعيب عليه السلام: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) [1] والشئ لا يعطف علي نفسه لا سيما بالحرف الذي يقتضي التراخي والمهلة وهو (ثُمَّ) وإذا کان الاستغفار هو التوبة فما وجه هذا الکلام؟.

(الجواب): قلنا في هذه الآية وجوه:

أولها: أن يکون المعني اجعلوا المغفرة غرضکم وقصدکم الذي فيه تجئرون ونحوه يتوجهون، ثم توصلوا إليها بالتوبة إليه، فالمغفرة أول في الطلب وآخر في السبب.

وثانيها: أنه لا يمتنع أن يريد بقوله: (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ) أي اسألوه التوفيق للمغفرة والمعونة عليها ثم توبوا إليه، لأن المسألة للتوفيق ينبغي أن يکون قبل التوبة.

وثالثها: أنه أراد بثم الواو، والمعني استغفروا ربکم وتوبوا إليه، وهذان الحرفان قد يتداخلان فيقوم أحدهما مقام الآخرة.



[ صفحه 97]



ورابعها: أن يريد استغفروه قولا ونطقا ثم توبوا إليه لتکونوا بالتوبة فاعلين لما يسقط العقاب عنده.

وخامسها: أنه خاطب المشرکين بالله تعالي فقال لهم: استغفروه من الشرک بمفارقته ثم توبوا إليه، أي ارجعوا إلي الله تعالي بالطاعات وأفعال الخير، لأن الانتفاع بذلک. لأن ذلک لا يکون إلا بتقديم الاستغفار من الشرک ومفارقته. والتائب والآئب والنايب والمنيب بمعني واحد.

وسادسها: ما أومي إليه أبو علي الجبائي في تفسير هذه الآية لأنه قال أراد بقوله (وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّکُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) أي أقيموا علي التوبة إليه، لأن التائب إلي الله تعالي من ذنوبه يجب أن يکون تائبا إلي الله في کل وقت يذکر فيه ذنوبه بعد توبته الأولي، لأنه يجب أن يکون مقيما علي الندم علي ذلک، وعلي العزم علي أن لا يعود إلي مثله. لأنه لو نقض هذا العزم لکان عازما علي العود، وذلک لا يجوز. وکذلک لو نقض الندم لکان راضيا بالمعصية مسرورا بها وهذا لا يجوز.

وقد حکينا ألفاظه بأعيانها، حمله علي هذا الوجه أنه أراد التکرار والتأکيد والأمر بالتوبة بعد التوبة. کما يقول أحدنا لغيره: اضرب زيدا ثم اضربه وافعل هذا ثم افعل.

وهذا الذي حکينا عن أبي علي أولي مما ذکره في صدر هذه السورة، لأنه قال هناک وأن استغفروا ربکم ثم توبوا إليه، أن معناه استغفروا ربکم من ذنوبکم السالفة ثم توبوا إليه بعد ذلک من کل ذنب يکون منکم أو معصية، وهذا ليس بشئ، لأنه إذا حمل الاستغفار المذکور في الآية علي التوبة فلا معني لتخصيصه بما سلف دون ما يأتي، لأن التوبة من ذلک أجمع واجبة، ولا معني أيضا لتخصيص قوله ثم توبوا إليه بالمعاصي المستقبلة دون الماضية، لأن الماضي والمستقبل مما يجب التوبة منه. فالذي حکيناه أو لا عنه أشفي وأولي.

حول إنکاح ابنته (ع):

(مسألة): فإن قيل فما الوجه في عدول شعيب عليه السلام عن جواب



[ صفحه 98]



ابنته في قولها (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [2] إلي قوله لموسي عليه السلام (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنکِحَکَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ) وهي لم تسأل النکاح ولا عرضت به، فترک إجابتها عن کلامها وخرج إلي شئ لم يجر ما يقتضيه.

(الجواب): إنها لما سألته أن يستأجره ومدحته بالقوة والأمانة، کان کلامها دالا علي الترغيب فيه والتقريب منه والمدح له بما يدعو إلي إنکاحه، فبذل له النکاح الذي يقتضي غاية الاختصاص، فما فعله شعيب (ع) في غاية المطابقة لجوابها ولما يقتضيه سؤالها.

في قول شعيب (ع) فإن أتممت عشرا فمن عندک:

(مسألة): فإن قيل فما معني قول شعيب عليه السلام: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنکِحَکَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَي أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِکَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْکَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [3] وکيف يجوز في الصداق هذا التخيير والتفويض، وأي فايدة للبنت فيما شرط هو لنفسه وليس يعود عليها من ذلک نفع؟.

(الجواب): قلنا: يجوز أن تکون الغنم کانت لشعيب (ع)، وکانت الفايدة باستيجار من يرعاها عائدة عليه، إلا أنه أراد أن يعوض بنته عن قيمة رعيها فيکون ذلک مهرا لها. وأما التخيير فلم يکن إلا ما زاد علي الثماني حجج ولم يکن فيما شرطه مقترحا تخيير، وإنما کان فيما تجاوزه وتعداه.

ووجه آخر أنه يجوز أن تکون الغنم کانت للبنت وکان الأب المتولي لأمرها والقابض لصداقها، لأنه لا خلاف أن قبض الأب مهر بنته البکر البالغ جايز،



[ صفحه 99]



وأنه ليس لأحد من الأولياء ذلک غيره، وأجمعوا أن بنت شعيب (ع) کانت بکرا.

ووجه آخر: وهو أن يکون حذف ذکر الصداق، وذکر ما شرطه لنفسه مضافا إلي الصداق، لأنه جائز أن يشترط الولي لنفسه ما يخرج عن الصداق. وهذا الجواب يخالف الظاهر، لأن قوله تعالي (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنکِحَکَ إِحْدَي ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَي أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) يقتضي ظاهره أن أحدهما جزاء علي الآخر.

ووجه آخر: وهو أنه يجوز أن يکون من شريعته عليه السلام العقد بالتراضي من غير صداق معين، ويکون قوله (عَلَي أَن تَأْجُرَنِي) علي غير وجه الصداق. وما تقدم من الوجوه أقوي.



[ صفحه 100]




پاورقي

[1] هود الآية 90.

[2] القصص الآية 26.

[3] القصص الآية 27.