تنزيه يوسف عن الرضا بالسجود له
(مسألة): فإن قيل: فما معني قوله تعالي: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا) [1] وکيف يرضي بأن يسجدوا له والسجود لا يکون إلا لله تعالي؟.
(الجواب): قلنا في ذلک وجوه: منها: أن يکون تعالي لم يرد بقوله إنهم سجدوا له إلي جهته، بل سجدوا لله تعالي من أجله، لأنه تعالي جمع بينهم وبينه، کما يقول القائل: إنما صليت لوصولي إلي أهلي، وصمت لشفائي من مرضي. وإنما يريد من أجل ذلک.
فإن قيل: هذا التأويل يفسده قوله تعالي: (يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا) [2] .
[ صفحه 88]
قلنا: ليس هذا التأويل بمانع من مطابقة الرؤيا المتقدمة في المعني دون الصورة، لأنه (ع) لما رأي سجود الکواکب والقمرين له کان تأويل ذلک بلوغه أرفع المنازل وأعلي الدرجات ونيله أمانيه وأغراضه، فلما اجتمع مع أبويه ورأياه في الحال الرفيعة العالية ونال ما کان يتمناه من اجتماع الشمل، کان ذلک مصدقا لرؤياه المتقدمة. فلذلک قال: (هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ).
فلا بد لمن ذهب إلي أنهم سجدوا له علي الحقيقة من أن يجعل ذلک مطابقا للرؤيا المتقدمة في المعني دون الصورة، لأنه ما کان رأي في منامه أن إخوته وأبويه سجدوا له، ولا رأي في يقظته الکواکب تسجد له. فقد صح أن التطابق في المعني دون الصورة.
ومنها: أن يکون السجود لله تعالي، غير أنه کان إلي جهة يوسف (ع) ونحوه، کما يقال: صلي فلان إلي القبلة وللقبلة. وهذا لا يخرج يوسف (ع) من التعظيم، ألا تري أن القبلة معظمة وإن کان السجود لله تعالي نحوها.
ومنها: أن السجود ليس يکون بمجرده عبادة حتي يضاف إليه من الأفعال ما يکون عبادة، فلا يمتنع أن يکون سجدوا له علي سبيل التحية والاعظام والاکرام، ولا يکون ذلک منکرا لأنه لم يقع علي وجه العبادة التي يختص بها القديم تعالي وکل هذا واضح.
پاورقي
[1] يوسف الآية 100.
[2] يوسف الآية 100.