بازگشت

تنزيه يوسف عن الکذب و تهمة اخوته


(مسألة): فإن قيل: فما معني جعل السقاية في رحل أخيه وذلک



[ صفحه 86]



تعريض منه لأخيه بالتهمة، ثم إن أذن مؤذنه ونادي بأنهم سارقون ولم يسرقوا علي الحقيقة؟.

(الجواب): قلنا: أما جعله السقاية في رحل أخيه، فالغرض فيه التسبب إلي احتباس أخيه عنده، ويجوز أن يکون ذلک بأمر الله تعالي، وقد روي أنه (ع) أعلم أخاه بذلک ليجعله طريقا إلي التمسک به، فقد خرج علي هذا القول من أن يکون مدخلا علي أخيه غما وترويعا بما جعله من السقاية في رحله، وليس بمعرض له للتهمة بالسرقة، لأن وجود السقاية في رحله يحتمل وجوها کثيرة غير السرقة، وليس يجب صرفه إليها إلا بدليل.

وعلي من صرف ذلک إلي السرقة من غير طريق اللوم في تقصيره وتسرعه، ولا ظاهر أيضا لوجود السقاية في الرحل يقتضي السرقة، لأن الاشتراک في ذلک قائم، وقرب هذا الفعل من سائر الوجوه التي يحتملها علي حد واحد. فأما نداء المنادي بأنهم سارقون فلم يکن بأمره (ع)، وکيف يأمر بالکذب وإنما نادي بذلک أحد القوم لما فقدوا الصواع، وسبق إلي قلوبهم أنهم سرقوه، وقد قيل إن المراد بأنهم سارقون أنهم سرقوا يوسف (ع) من أبيه وأوهموه أنهم يحفظونه فضيعوه، فالمنادي صادق علي هذا الوجه، ولا يمتنع أن يکون النداء بإذنه (ع).

غير أن ظاهر القصة واتصال الکلام بعضه ببعض يقتضي أن يکون المراد بالسرقة سرقة الصواع الذي تقدم ذکره وأحسوا فقده، وقد قيل إن الکلام خارج مخرج الاستفهام، وإن کان ظاهره الخبر کأنه قال: (إِنَّکُمْ لَسَارِقُونَ) فاسقط ألف الاستفهام کما سقطت في مواضع قد تقدم ذکرها في قصة إبراهيم (ع).

وهذا الوجه فيه بعض الضعف لأن ألف الاستفهام لا تکاد تسقط إلا في موضع يکون علي سقوطها دلالة في الکلام، مثل قول الشاعر:



کذبتک عينک أم رأيت بواسط

غلس الظلام من الرباب خيالا





[ صفحه 87]