بازگشت

تنزيه ابراهيم عن العجز


(مسألة): فإن قال قائل فما قولکم في قوله تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْکَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) [1] وهذا يدل علي انقطاع إبراهيم (ع) وعجزه عن نصرة دليله الأول ولهذا انتقل إلي حجة أخري، وليس ينتقل المحتج من شئ إلي غيره إلا علي وجه القصور عن نصرته.

(الجواب): قلنا ليس هذا بانقطاع من إبراهيم عليه السلام ولا عجز عن نصرة حجته الأولي، وقد کان إبراهيم (ع) قادرا لما قال له الجبار الکافر أنا أحيي وأميت في جواب قوله ربي الذي يحيي ويميت، ويقال إنه دعا رجلين فقتل أحدهما واستحيي الآخر، فقال عند ذلک أنا أحيي وأميت. وموه



[ صفحه 49]



بذلک علي من بحضرته علي أن يقول له: ما أردت بقولي إن ربي الذي يحيي ويميت ما ظننته من استبقاء حي. وإنما أردت به أنه يحيي الميت الذي لا حياة فيه. إلا أن إبراهيم (ع) علم أنه إن أورد ذلک عليه التبس الأمر علي الحاضرين وقويت الشبهة، لأجل اشتراک الاسم، فعدل إلي ما هو أوضح، واکشف وأبين وأبعد من الشبهة، فقال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي کفر ولم يبق عنده شبهة.

ومن کان قصده البيان والإيضاح فله أن يعدل من طريق إلي آخر لوضوحه وبعده عن الشبهة، وإن کان کلا الطريقين يفضي إلي الحق.

علي أنه بالکلام الثاني ناصر للحجة الأولي وغير خارج عن سنن نصرتها، لأنه لما قال ربي الذي يحيي ويميت، فقال له في الجواب أنا أحيي وأميت، فقال له إبراهيم: من شأن هذا الذي يحيي ويميت أن يقدر علي أن يأتي بالشمس من المشرق ويصرفها کيف يشاء.

فإن ادعيت أنت القادر علي ما يقدر الرب عليه فائت بالشمس من المغرب کما يأتي هو بها من المشرق، فإذا عجزت عن ذلک علمنا أنک عاجز عن الحياة والموت ومدع فيهما ما لا أصل له، فإن قيل: فلو قال له في جواب هذا الکلام: وربک لا يقدر أن يأتي بالشمس من المغرب، فکيف تلزمني أن آتي بها من المغرب؟

قلنا: لو قال له ذلک لکان إبراهيم (ع) يدعو الله أن يأتي بالشمس من المغرب فيجيبه إلي ذلک، وإن کان معجزا خارقا للعادة. ولعل الخصم إنما عدل عن أن يقول له ذلک علما بأنه إذا سأل الله تعالي فيه أجابه إليه.


پاورقي

[1] البقرة الآية 258.