بازگشت

خاتمة الکتاب


من الملاحظ في هذه الدراسة المقارنة، ان هناک عدة نقاط علمية تلفت نظر القارئ، باعتبارها تشکل مصدر قوة في موقف الاطروحة الشبعية قبال الاطروحة السنية في الخلافات الخاصة بالقضية المهدوية. لأن الاطروحة الشيعية في جميع منازلاتها الفکرية، أعتمدت بالأساس علي منطق النص القرآني والنبوي، ومنطق العقل، ومنطق التأريخ.

وفي اطار منطق النص، اکدت الإطروحة الشيعية أصالتها الدينية، في ضوء ارتباطها الصميمي بالقرآن والسنة فلا نجد لعلماء الشيعة أي رأي اجتهادي في القضية المهدوية ليس له نص قرآني أو نبوي صريح بدل عليه.

وفي اطار المنطق التاريخي قدمت الاطروحة الشيعية مجموعة من الوثائق والأدلة التاريخية، من مصادر الفکر السني امام القارئ.

مما يؤکد براءة الفکر الشيعي من الفکر المذهبي المتعصب الخاص، ونزاهته من الآراء الاعتقادية المنفردة، فيما يخص القضية المهدوية.

ويلاحظ دخول النص القرآني، والنبوي کاحد الوثائق المعتمدة في البحث في الدليل التاريخي الذي تستدل به مدرسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ علي اصالة فکرة الغيبة في التفکير الديني، في ضوء تحققها لبعض الأنبياء، وامکانيه تکرر هذه القضية في تاريخ الأمة الإسلامية، کما نطقت بذلک النصوص النبوية الصحيحة في قوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «لتتبعن سنن من قبلکم حذو القدة بالقدة».

وفي اطار المنطق العقلي، تبرز علاقنية الاطروحة الشيعية في مطارحاتها الخلافية مع الفکر السني بکل جلاء ووضوح، في أدلة العصمة، وفي موضوع امکانية تحقق الغيبة للمهدي المنتظر ـ عليه السلام، وفي أدلة ولادته وفي نسبه.

ففي موضوع الغيبة مثلاً نجد الفکر السني في الوقت الذي يسخر من عقيدة الشيعة بغيبة المهديّ المنتظر عليه السلام، يقع في روطة الاعتقاد بغيبة الدجال مفسد البشرية ومضلها في آخر الزمان، وفي اطار هذه المداخلة الفکرية الجميلة، تبرز أصالة الفکر الإسلامي الشيعي من خلال أدلته الشرعية والعقلية والعلمية والتاريخية التي يستدل بها علي فکرة الغيبة. بينما لا نجد للفکر السني دليلاً معتبراً في الشرع، ولا في العقل، ولا في التاريخ يبرر لهم الايمان بغيبة الدجال امام الشرک والضلال في آخر الزمان.

فتنقلب حکاية السخرية في قصة الغيبة، علي اطروحة الموقف السني المدهشة، التي تظهر لطف الله وعنايته ورعايته في حفظ حياة الدجال واطالة عمره، قروناً طويلة من الزمن، ليظهر في آخر الزمان يمارس الافساد والکفر والضلال في المجتمع البشري، بينما يتخلي الله تعالي عن حفظ حياة ابن خاتم المرسلين صلي الله عليه وآله وسلم، وابن سيدة نساء العالمين ـ عليها السلام ـ المهديّ المنتظر عليه السلام، منقذ البشرية من الضلال والذي يملأ الأرض قسطاً وعلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً!!

ان فکرة الغيبة تقوم بالأساس علي عقيدة المسلمين بالمعجزة، ولا يمکن اطالة عمر المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ بدون تدخل المعجزة الالهية ليتحقق هذا الأمر ورفض غيبة المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ هو في الواقع رفض لعقيدة المسلمين بضرورة تحقق المعجزة الالهية، وفقاً لحکمة ربانية.

فاذا اقتضت الحکمة الربانية تحقق هذه المعجزة في شق البحر لموسي عليه السلام، وقومه، من أجل نجاة ثلة صغيرة من بني اسرائيل، من سلطة الطاغون الفرعوني، فما هو المانع من تکرر هذه المعجزة بحکمة ربانية مرة اُخري في التاريخ وبصورة اخري لحفظ حياة القائد المنتظر الذي تتوقف علي حفظ حياته واطالة عمره نجاة البشرية باسرها من ظلم عشرات الطواغيت.

وهکذا يتجلي عمق الاطروحة الشيعية في جميع منازلاتها الفکرية، لإعتمادها اساساً علي مصادر الفکر السني ونصوصه واراء علمائه لدعم موقفها في موضوعات المهديّ ـ عليه السلام ـ الخلافية، بينما لا نجد مناصراً للاطروحة السنية في مصادر الشيعة ونصوصهم اطلاقاً.

وفي اطار هذه الموازنة العلمية المستخلصة من هذه الدراسة المقارنة أوجّه کلمتي الأخيرة لجميع الأخوة المسلمين من العلماء والأساتذة والحرکيين وعامة المثقفين من ابناء المذاهب الإسلامية الأربعة خاصة، متمنياً منهم ان يعيدوا النظر في آرائهم المذهبية الخلافية التي يتبنونها في موضوع المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ وفي جميع الموضوعات الخلافية بينهم وبين الاطروحة الشيعية.

کما نأمل ان يبحثوا هذه القضايا الخلافية من جديد بالوسائل العلمية الشرعية المجمع علي صحتها واصالتها، ويضعوا النص القرآني والنبوي في طلية اهتماماتهم، وهم يبحثون عن الحق والحقيقة، وان يتخلوا عن تقليد آراء الآخرين من الآباء والعلماء، وعن کل رأي مذهبي لا يجدون له مستنداً في الکتاب والسنّة النبوية الصحيحة.

وهذه الدعوة المفتوحة والموجهة للواعين من أبناء الأمة الإسلامية، ليست من مبتدعات مؤلف هذا الکتاب، وانما هي دعوة قرآنية أصيلة أطلقها الوحي في قوله تعالي (قل هل من شرکائکم من يهدي الي الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي الي الحق أحق ان يتبع أمن لا يهديّ إلاّ أن يهدي فمالکم کيف تحکمون وما يتبع أکثرهم إلاّ ظناً ان الظن لا يغني عن الحق شيئاً ان الله عليم بما يفعلون)، [1] وقال تعالي: (والذين اجتنبوا الطاغوت ان يعبدونها وأنابوا الي الله لهم البشري فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه اولئک الذين هداهم الله واولئک هم أولوا الألباب). [2] .

هذا آخر ما خطه القلم بيد أقل طلبة العلم مهدي الشهير بالفتلاوي العراقي مولداً ونشأة واليماني الطائيي أصلاً ونسباً.

والحمد لله رب العالمين وهو وليّ التوفيق عليه توکلّ واليه أُنيب.


پاورقي

[1] يونس: 35 ـ 36.

[2] الزمر: 17 ـ 18.