بازگشت

الاختلاف في عصمته


الاعتقاد بعصمة المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـعند أکثر علماء أهل السنة أمر غير متصور، بل المتصور عندهم علي عکسه، لأنهم يعتبرونه انساناً عادياً متلبساً ببعض الذنوب والمعاصي، کأي انسان آخر، فاذا اختاره الله تعالي للخلافة تاب عليه وانقذه من الضلال والمعاصي في ليلة واحدة، [1] ويستدلون علي رأيهم، هذا بما جاء عن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ انه قال: «المهديّ منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة واحدة». [2] .

ويرفض علماء الإمامية قاطبة هذا الاعتقاد الخاطئ بولي الله المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ الذي ادخره الله تعالي لتحقيق حلم الأنبياء عليه السلام، وتجسيد طموحات المرسلين عليهم السلام، وآمال المصلحين، وتتويج جهادهم بانتصار الايمان علي الکفر وسيادة دولة العدل الالهي، وانقاذ البشرية من الفرقة والاختلاف والظلم والجور.

ولعلماء الإمامية أدلتهم الشرعية والعقلية المعروفة في تقرير وجوب العصمة للأنبياء واوصيائهم، بعد أن ينزهونهم من کبائر الذنوب وصغائر السيئات، بل وحتي من الخطأ والنسيان، وکل ما يخالف المروءة فيقولون: لو جاز ان يفعل النبي ـ عليه السلام ـ وخليفته الشرعي المعصية، أو جاز صدور الخطأ والنسيان منه، فنحن بين أمرين:

الأول: ان نقول بجواز ارتکاب المعاصي بل بوجوبها بما أوجب الله علينا الاقتداء به، وهذا باطل بأدلة الدين والعقل.

الثاني: ان نقول بعدم وجوب اتباعه، فذلک ينافي مهمة النبوة والخلافة التي يجب أن تطاع ليطبق حکم الله في الأرض ويعرف الهدي من الضلال والمؤمن من الفاسق.

وهذا الدليل يجري بتمامه لاثبات عصمة الخلفاء الاثني عشر من أهل البيت عليه السلام، لان الله اختارهم خلفاء في أرضه، ليکونوا أدلاءً علي صراطه وأمناءً علي دينه، وحراساً لکتابه، وتراجمة لوحيه بعد الرسل (لئلا يکون للناس علي الله حجة بعد الرسل). [3] .

وأهل البيت ـ عليهم السلام ـ هم حجج الله علي الناس بعد خاتم المرسلين، کما وصفهم ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ بقوله: «من کل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين»، [4] وفي حديث الثقلين أوصي فيهم رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ کما أوصي برعاية القرآن بقوله: «فلا تقدموهما فتهلکوا، ولا تقصروا عنهما فتهلکوا، ولا تعلموهما فهم أعلم منکم». [5] .

هؤلاء هم خلفاء رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في امته، فلو اجزنا عليهم ارتکاب المعاصي، والوقوع في الخطأ اشتباهاً، أو نسياناً، فأي فرق بينهم وبين الآخرين، لکي يفضلوا عليهم في وجوب طاعتهم والأمر بالاقتداء بهم؟ وکيف تناط مسؤولية قيادة الأمة بالعاصين؟ وأ نّي للمذنبين الظالمين لأنفسهم هداية المسلمين، وحماية الدين من تحرين المنتحلين، وتزييف المدعين، وتأويل الجاهلين، وحفظ المسلمين من الأئمة المضلين؟

ان معني: «فلا تقدموهما فتهلکوا، ولا تقصروا عنهما فتهلکوا، ولا تعلموهما فهم اعلم منکم» هو الاستدلال علي عصمة قيادة أهل البيت عليهم السلام، لذلک فان التقدم عليهم أو التقصير في السير علي نهجهم يدعو الي الهلاک والضلال. فمن ادعي مقام المرجعية العلمية والإمامة السياسية قبال مرجعية أهل البيت و إمامتهم فهو من المتقدمين عليهم والمعتدين علي منصبهم ومنزلتهم في الأمة، ومن المتجاوزين علي حقوقهم والمقصرين عن الالتحاق برکبهم، ومن المخالفين لوصية رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ فيهم.

واليک عرضاً سريعاً لبعض النصوص القرآنية والنبوية الدالة علي عصمة أهل البيت عليهم السلام.

قال تعالي: (انما يريد الله ليذهب عنکم الرجس أهل البيت ويطهرکم تطهيراً)، [6] وفسر النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ معني الآية في عشرات الأحاديث الدالة علي عصمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فقال: «فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب»، [7] وقال: «من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي وهي جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعدي، فانهم لن يخرجوکم باب هدي، ولن يدخلوکم باب ضلالة»، [8] وقال: «انما مثل أهل بيتي فيکم کمثل سفينة نوح من رکبها نجا ومن تخلف عنها غرق»، [9] وقال: «اني تارک فيکم الثقلين کتاب الله وأهل بيتي وانهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض». [10] .

وهکذا نري النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ تاره يصرّح بطهارتهم وعصمتهم من الذنوب واُخري يدعو الأمة للتمسک بولايتهم ولاسير علي نهجهم، معللاً ذلک بقوله: «فانهم لن يخرجوکم من باب هديً ولن يدخلوکم باب ضلالة» و (لن) حرف نفي ونصب واستقبال، ويقول الزمخشري: (لن يفيد التأبيد والتأکيد)، وهو معني ثبوت العصمة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ دائماً في الحال والاستقبال، لذلک شبه النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ الإلتزام بمنهجهم بسفينة نوح من رکبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهلک في ظلمات الضياع والضلال، وفي حديث الثقلين قرنهم بالقرآن، وساوي بينهما في الهداية، فقال: «ما ان تمسکتم بهما لن تضلو بعدي»، [11] وهنا أيضاً تأتي (لن) التأبيدية والتأکيدية المفيدة لاستمرار عصمتهم من الضلال الثابتة لهم بثبوتها للقرآن علي حد سواء، لأنهم مقترنون به ومساوون له في هداية الأمة.

فهذه الأحاديث وعشرات غيرها مما لا يسعنا ذکرها کلها هنا، انما طرحها رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لأمته ليفسر آية التطهير امتثالاً لأمر الله تعالي الذي خاطب خاتم رسله بقوله سبحانه: (وانزلنا اليک الذکر لتبين للناس ما نُزِّل اليهم ولعلهم يتفکرون). [12] .

وفي قوله تعالي: (قل لا أسألکم عليه أجراً إلاّ المودة في القربي)، [13] الدالة علي وجوب مودة أهل البيت عليهم السلام، ما فيه الکفاية لاثبات عصمتهم ونزاهتهم من الذنوب والآثام، بل ومن کل ما يشين بهم ويحط من منزلتهم، لأن الله تعالي شأنه ليس له قرابة مع فئة من الناس، فلا يفضل قوماً علي آخرين، ويکرس مفهوم الطبقية في مجتمع العدل والتوحيد والمساوات، ما لم يکن هناک ملاک ايجابي في ذات الفئة المفضلة عنده، کاختيارهم للخلافة بما وهبهم من مزايا ايمانية وعلمية وقيادية فريدة عالية، لا تتوفر مثلها في غيرهم، بحيث لا يتصور من خلالها مقاربتهم للذنوب والخبائث، ولا اقترافهم للسيئات صغيرة أم کبيرة، في کل حال، لأن الخطاب بوجوب مودتهم ثابت في القرآن علي عمومه واطلاقه، وشامل لکل عصر وزمان فتکون عصمتهم من الذنوب ثابتة ومستمرة في حياتهم الفردية والاجتماعية في الحال والاستقبال، لأن الله تعالي لا يوجب مثل هذه المودة العظيمة لجماعة من أهل المعاصي، أو لجماعة من المؤمنين غير معصومين من الذنوب، لأن مجرد صدور أدني مخالفة منهم لدين الله خرجوا عن أهل مودته، ولا يرجعوا اليه إلاّ بالتوبة. بينما وقع الأمر في القرآن بوجوب مودتهم علي نحو الإطلاق، وهو ما يشعر أن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ لا يمکن أن يتصور بحقهم ارتکاب الذنوب ابداً، ولا يخرجون عن ساحة رضي الله لحظة واحدة في حياتهم.

وهکذا نجد آية المودة تعزز مفهوم (لن) التأبيدية والتأکيدية التي تفيد معني الاستمرارية في قوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «لن يخرجوکم باب هدي، ولن يدخلوکم باب ضلالة»، وقوله: «ما ان تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً».

وليس وراء ثبوت العصمة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ من حکمة الهية إلاّ قيامهم باعباء الخلافة الربانيّة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، ولو لم يثبت هذا المنصب القيادي الإلهي لهم لما أوجب الله علي الأمة مودتهم في القرآن دون غيرهم من المسلمين، ولما فرض علي الأمة وجوب الصلاة عليهم مقترنة بالصلاة علي خاتم المرسلين عليهم السلام، معتبراً ذلک من شروط قبول صلاة المسلمين، وحينما سأل بعض الصحابة رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: علمنا کيف نصلي عليک؟ قال: «فقولوا اللهم صلِ علي محمد وآل محمد کما صليت علي آل إبراهيم انک حميد مجيد، اللهم بارک علي محمد وعلي آل محمد کما بارکت علي آل إبراهيم انک حميد مجيد»، [14] وعبّر الشافعي عن هذا الوجوب الإلهي الخاص بأهل البيت ـ عليهم السلام ـ في أبياته الشهيرة التي نظمها في حبهم فقال:



يا آل بيت رسول الله حبکم

فرض من الله في القرآن أنزله



کفاکم من عظيم الشأن انکم

من لم يصلِّ عليکم لا صلاة له [15] .



وفي البيت الأول إشارة الي آية المودة، وفي الثاني الي وجوب الصلاة عليهم مقترنة بالصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

فالاحتجاج بحديث: «المهديّ منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة» لنفي العصمة عنه باطل، لثبوت العصمة لأهل البيت ـ عليهم السلام ـ عموماً بالأدلة القرآنية الصرحيه والنبوية الصحيحة، والمهديّ ـ عليه السلام ـ منهم فلا بد من ثبوت العصمة له بنفس تلک الأدلة.

اما معني: «يصلحه الله في ليلة واحدة» فالمراد منه تمکينه من قبضة الحکم والسيطره علي اجهزة الدولة في بلاد الحجاز في ليلة واحدة، وقد روي هذا الحديث هکذا: «يخرج المهديّ من ولدي يصلح الله أمره في ليلة واحدة»، [16] وکلمة (يخرج) استخدمت في أخبار الملاحم والفتن أکثر من (100) مرة بمعني الثورة والخروج الي ساحة المعارک، وکلمة (الأمر) أو (أمره) جاءت في أخبار الملاحم والفتن أکثر من (50) مرة بمعني السلطة والخلافة والحکم والدولة. فيکون معني الحديث السابق هکذا: يخرج المهديّ من ولدي معلناً حربه وثورته علي أعداء الله، فينصره الله ويصلح أمر الخلافة له في ليلة واحدة. وفي رواية قال: «يصلح الله به في ليلة واحدة»، [17] واوضح رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ معني «يصلحه الله في ليلة واحدة» في حديث آخر روي عنه بسند صحيح فقال: «يخرج رجل من عترة النبي يصلح الله علي يديه امرهم». [18] .

وقال الشيخ علي بن سلطان الحنفي وهو يشرح معني «يصلحه الله في ليلة واحدة»: (أي يصلح أمره ويرفع قدره في ليلة واحدة، وفي ساعة واحدة من الليل حيث يتفق علي خلافته أهل الحل والعقد)، [19] ففسر معني إصلاح أمره في ليلة واحدة، بمعني استتباب أمر الخلافة له في ساعة من الليل، واتفاق أهل الحل والعقد عليه في تلک الليلة.

وأهل الحل والعقد في زمان المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ هم وزرائه فقط، وعددهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وهم الذين يجمعهم الله له في ليلة واحدة من اقطار شتي فيبايعونه بين الرکن والمقام في تلک الليلة، ثم يأمرهم بعد البيعة بالسيطرة علي مراکز القوة والسلاح في بلاد الحجاز في ساعة من تلک الليلة من دون قتال ولا عناء ولا اراقة دماء، کما روي عن أبي هريرة قال: (يبايع المهديّ بين الرکن والمقام لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً)، [20] وهذا الحديث يصف البيعة في اطار السيطرة علي بلاد الحجاز في ليلة واحدة. وهو معني لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً، وهو مما يتطابق تمام المطابقة مع قوله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: «يصلح الله امره في ليلة واحدة»، حيث يتمکن من الخلافة والسيطرة علي البلاد في تلک الليلة.

ولا ينطبق حديث أبي هريرة علي الثورة المهدوية إلاّ في حدود تلک الليلة التي تنجح فيها بدون دماء ولا ضجيج ولا عناء، أما بعدها من الليالي الأخري فسوف يستخدم حفيد رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ اسلوب العنف والمواجهة المسلحة مع رؤوس المعارضة في بلاد الحجاز، فيقوم بتجريدهم من السلاح أولاً، ثم استخدامه لقتلهم وتصفية رؤوسهم واحداً تلو الآخر، حتي يضج الاعلام العربي المعادي له ويقول: لو کان هذا من ولد فاطمة لرحم، وهذا هو معني الحديث القائل: «لو يعلم الناس ما يصنع المهديّ إذا خرج لاحب أکثرهم أن لا يروه، مما يقتل من الناس، أما انه لا يبدأ إلاّ بقريش، فلا يأخد منها إلاّ السيف ولا يعطيها إلاّ السيف، حتي يقول کثير من الناس ما هذا من آل محمد، ولو کان من آل محمد لرحم». [21] .


پاورقي

[1] هذا القول لابن کثير، ونقله عنه السندي شارح سنن ابن ماجة 2: 519.

[2] سنن ابن ماجة 2: 4085، الحاوي للتفاوي 2: 78.

[3] النساء: 165.

[4] الصواعق المحرقة: ص90، ذخائر العقبي: ص17 عن ابن عمر.

[5] مجمع الزوائد 9: 163، کنزل العمال 1: 48، حيدرآباد الدکن.

[6] الأحزاب: 33.

[7] الدر المنثور 6: 606 ط. بيروت دار الفکر، رواه عن الحکيم الترمذي وابن مردويه والطبراني وابن نعيم والبيهقي، فتح القدير 4: 280، وشواهد التنزيل 2: 30، والصواعق المحرقة:ص142.

[8] کنزل العمال 6: 217 ح3819 ط. حيدآباد.

[9] مستدرک الحاکم 2: 342 و3: 150، مجمع الزوائد 9: 167، منتخب کنز العمال 5: 94 بهامش مسند أحمد.

[10] وحديث الثقلين أخرجه أئمة الصحاح والحفاظ في المسانيد والسنن في أکثر من ثلاثين مصدراً في طليعتهم مسلم والترمذي وأحمد بن حنبل وغيرهم، وهذا اللفظ للحاکم في مستدرک الصحيحين 3: 148، وهو صحيح علي شرط الشيخين.

[11] صحيح الترمذي 2: 308، أُسد الغابة 2: 12، واخرجه السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير آية المودة.

[12] النحل: 44.

[13] الشوري: 23.

[14] صحيح البخاري في کتاب الدعوات في کتابه بدء الخلق، وفي کتاب التفسير، صحيح مسلم في کتاب الصلاة باب الصلاة علي النبي، ورواه سنن النسائي، وأيضاً ابن ماجة، وأبو داود، والحاکم، وأحمد، والداري، والبيهقي.

[15] نور الأبصار للشبلنجي: ص104، الصواعق المحرقة: ص104، لکنه لم يذکر البيت الأخير.

[16] وهي المروية عن الإمام الحسين في شهادته بولادة المهديّ، فراجع.

[17] الاذاعة لمحمد صديق القتوجي البخاري: ص117.

[18] حديث صحيح علي شرط مسلم رواه نعيم بن حماد في الفتن: ص9، ورواه جلال الدين السيوطي في جمع الجوامع، وقال: سنده صحيح علي شرط مسلم 2: 30، الاشاعة: ص115، والحديث عن الإمام عليّ ـ عليه السلام ـ قال: الفتن أربعة وذکر الحديث.

[19] مرقاة المفاتيح لعلي بن سلطان القاري الحنفي 5: 180.

[20] الفتن لابن حماد: ص94، الحاوي للفتاوي 2: 76، عقد الدرر: 156، البرهان للمتقي الهندي باب6 ح29.

[21] عقد الدرر: ص227.