بازگشت

الاختلاف في اسم أبيه


يعتقد الأکثرية من علماء أهل السنة أن أسم والد المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ هو عبد الله، استناداً الي ما جاء في سنن ابي داود عن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ انه قال: «اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي»، والمتفق عليه بين الإمامية ان والده هو الإمام أبي محمد الحسن العسکري الحادي عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولهم علي ذلک ثلاثة أدلة:

1 ـ الأخبار المروية من طرقهم عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته وقد مرت معنا سابقاً في شهادتهم بولادته، من الحسن العسکري الثامن من ولد الحسين عليه السلام.

2 ـ اعتراف عدد من علماء أهل السنة ومؤرخيهم بان المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ هو ابن الإمام الحسن العسکري، وقد مر ذکر بعضهم والإشارة الي کتبهم التي أثبتوا فيها ولادة المهديّ بما يوافق رأي الإمامية، ومنهم المؤرخ ابن خلکان، والمؤرخ ابن الأزرق، قال ابن خلکان في ترجمة الإمام المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ: (أبو القاسم المنتظر محمد بن الحسن العسکري بن علي الهادي بن محمد الجواد... کانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه ـ وقد سبق ذکره ـ کان عمره خمس سنين، واسم امه خمط وقيل نرجس، وذکر ابن الأزرق في (تاريخ بارفين)، وقال: ان الحجة المذکور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين. وقيل في ثامن شعبان سنة ستة وخمسين وهو الأصح)، [1] وقال ابن طولون الدمشقي: (کانت ولادته ـ رضي الله عنه ـ يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولمّا توفي أبوه المتقدم ذکره ـ أي الحسن العسکري ـ رضي الله عنه ـ ـ کان عمره خمس سنين). [2] .

وترجم للإمام الحسن العسکري ابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة) وسماه أبو محمد الحسن الخالص، وذکر له کرامات، ومن کراماته التي ذکرها هذه القصة، قال:

(لما حبس المطر قحط الناس بسر من رأي قحطاً شديداً، فأمر الخليفة المعتمد بن المتوکل بالخروج للاستسقاء ثلاثة أيام، فلم يسقوا فخرج النصاري ومعهم راهب کلما مد يهده إلي السماء هطلت، ثم في اليوم الثاني کذلک فشک بعض الجهلة وارتد بعضهم، فشق ذلک علي الخليفة فأمر بإحضار الحسن الخالص، وقال له أدرک أمة جدک رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ قبل أن يهلکوا، فقال الحسن: «يخرجون غداً وأنا ازيل الشک إن شاء الله»، وکلم الخليفة في اطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم، فلما خرج الناس للاستسقاء ورفع الراهب يده مع النصاري غيمت السماء، فأمر الحسن بالقبض علي يده، فاذا فيها عظم آدمي فأخذه من يده، وقال استسق فرفع يده فزال الغيم، وطلعت الشمس، فعجب الناس من ذلک فقال الخليفة للحسن: ما هذا يا أبا محمد! فقال: «هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور، وما کشف من عظم نبي تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر»، فامتحنوا ذلک العظم فکان کما قال، وزالت الشهبة عن الناس ورجع الحسن الي داره، وأقام عزيزاً مکرماً وصلات الخليفة تصل إليه کل وقت الي أن مات بسر من رأي ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة، ويقال انه سم أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لکن آتاه الله فيها الحکمة ويسمي أبي القاسم المنتظر، قيل لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف اين ذهب ومر في الآية الثانية عشرة قول الرافضة فيه إنه المهديّ). [3] .

3 ـ من الثابت تاريخياً ان بني العباس هم الذين أمروا بتدوين الحديث، وانهم وضعوا روايات عديدة واسندوها للنبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ لدعم سلطانهم وتزکية خلفائهم، ومن الروايات الموضوعة ادعائهم ان المهديّ ـ عليه السلام ـ منهم وانه هو الذي يسلمها لعيسي ابن مريم عليه السلام، ولما کان اسم خليفتهم المدعي المهدوية محمد واسم أبيه عبد الله، وهو أبو جعفر المنصور، دسوا في بعض الأحاديث الصحيحة في المهديّ ـ عليه السلام ـ کلمة «واسم أبيه أسم أبي»، لتنطبق أوصاف المهديّ ـ عليه السلام ـ المذکور في الأحاديث الصحيحة عن النبي ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ علي مهديهم المزعوم.

وهناک أدلة کثيرة تعزر صحة هذا الرأي:

(منها): ان الحافظ نعيم بن حماد المروزي، [4] أحد مشايخ الإمام البخاري، هو أوّل من جمع المسند من الحديث، واوّل من صنف في أخبار المهديّ ـ عليه السلام ـ في کتابه الشهير (بالفتن)، فانه لم يذکر هذه الزيادة (واسم أبيه اسم أبي) مع انه أخرج أحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ في أکثر من مائتين طريقاً.

(ومنها): ان الإمام أحمد بن حنبل علي سعة اطلاعه في علم الحديث، وقرب عهده من عصر التابعين، وعلي کثرة روايته لأحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ فانه لم يرو هذه الزيادة في مسنده.

(ومنها): ان هذه الزيادة وردت في سنن ابي داود وتناقلها الحفاظ، ورواة الحديث عنه، أو تنتهي في روايات الحفاظ الذين يروونها من بعده الي رجال اسناده، وفي سنده زائده، وهو من الرواة المجمع علي تلاعبه بالسنة النبوية عند أئمة الجرح والتعديل، وکل من ترجم له قال: زائده يزيد في الحديث، ولهذا اتهمه الحافظ أبو عبد الله الکنجي الشافعي تلميذ ابن الصلاح بانه هو المتبرع بوضع هذه الزيادة في هذا الحديث. [5] .

(ومنها): ان حديث ابي داود رواه بلفظه الإمام الترمذي في صحيحه، والحافظ ابن ماجه في سنته وابي نعيم في کتبه الثلاثة الخاصة بالمهدي ـ عليه السلام ـ واخرج الحديث بلفظه غير هؤلاء الحفاظ لکنهم لم يرووا فيه هذه الزيادة.

(ومنها): ان أئمة أهل البيت الاثنا عشر، رووا أحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ باسانيد السلسلة الذهبية عن جدهم رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ واخرجوها في أکثر من ستمائة طريقاً، فلم يذکروا فيها هذه الزيادة اطلاقاً.

فاذا علمنا بقواعد الأصول، ان الرواية المعتمد عليها في معرفة أسم والد المهديّ ـ عليه السلام ـ ساقطة بشهادة التاريخ الذي نص علي ان المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ هو ابن الإمام الحسن العسکري، بالاضافة الي شهادة أهل البيت، التي صرحوا فيها بان ولدهم المهديّ هو من نسل فاطمة، وهو الثاني عشر منهم المتولد من أبيه الحسن العسکري. ومع هذه الشواهد الکثيرة نقطع بعدم صحة الرواية التي تقول: (واسم أبيه أسم أبي)، مما يوجب عدم الاعتناء بها إلاّ لمعاند أو متعصب يحط من قيمة العلم ويخدش بشهاة التاريخ القطعية بماله من جرأة علي انکار ما ثبت بالأدلة العلمية والشرعية المعتبرة.


پاورقي

[1] وفيات الأعيان 3: 316، ط. مصر السعادة 1948.

[2] الأئمة الاثنا عشر طبع بيروت عام 1958م، دار صادر، تحقيق الدکتور صلاح الدين المنجد.

[3] الصواعق المحرقة: ص207 ـ 208.

[4] راجع ترجمة نعيم بن حماد في تهذيب التهذيب 10: 458، ميزان الإعتدال 4: 267، تذکرة الحفاظ 2: 418، الکامل لابن عدي 3: 864 هدي الساري: ص447.

[5] البيان في اخبار صاحب الزمان للحافظ الکنجي الشافعي الباب الأول.