بازگشت

التآمر علي القضية المهدوية


هناک حرکة تآمريّة علي القضيّة المهدويّة، قديمة وجديدة، تـتّخذ تارة: طابعاً سياسيّاً، واُخري: طابعاً فکريّاً، کما يفهم من حلقاتها التأريخيّة، وتستهدف هذه الحرکة التآمريّة بصورة عامّة طمس معالم القضيّة المهدويّة في الإسلام، والقضاء عليها في وجدان الاُمّة.

بدأت هذه المؤامرة تأريخيّاً في عصر الخلافة الاُمويّة في محاولة من معاوية نفسه، [1] لتطبيق فکرة المهديّ ـ عليه السلام ـ علي عيسي بن مريم ـ عليه السلام ـ لقتلها في التصوّر الإسلاميّ، والقضاء علي جذوتها الايمانيّة وفاعليتها الرساليّة والجهاديّة في المجتمع الإسلامي. فقال لجماعة من بني هاشم:

(زعمتم أنّ لکم ملکاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، والمهديّ عيسي بن مريم، وهذا الأمر في أيدينا حتّي نسلّمه له)!!

وواضح من هذا الحوار أنّ معاوية يريد أن يقتل فکرة المهدويّة في الإسلام، ويجعلها من خصائص الديانة المسيحيّة، ومع ذلک يحاول تسخيرها لصالح الخلافة الاُموّية، ليخرج الخلافة من أهل البيت ـ عليهم السلام ـ طول التأريخ؛ لتبقي دائماً في بني اُميّة حتّي يسلّموها لعيسي بن مريم عليه السلام.

وکان ابن عبّاس من جملة الحاضرين من بني هاشم في هذا الحوار، فلم يسمح لمعاوية وهو يسعي لتحريف الأحاديث النبويّة، ويتلاعب بعقائد الإسلام وأفکاره ومفاهيمه لصالح السياسة الاُمويّة الظالمة، فماذا قال لمعاوية؟

قال له:

(اسمع يا معاوية، أمّا قولک إنّا زعمنا أنّ لنا ملکاً مهديّاً، فالزعم في کتاب الله شکّ، قال الله سبحانه وتعالي (وَزَعَمَ الَّذِينَ کَفَرُوا أنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَي وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ)، [2] أمّا قولک: انّ لنا ملکاً هاشميّاً، ومهديّاً قائماً، فکلّ يشهد أنّ لنا ملکاً ومهديّاً قائماً، لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لملّکه الله فيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً. أمّا قولک: ان المهديّ عيسي بن مريم، فانّما ينزل عيسي لقتال الدجال، والمهديّ رجل منّا أهل البيت، يصلّي عيسي خلفه). [3] .

ومن هذه المواجهة بين معاوية وابن عباس، نعلم أنّ الأحاديث التي طبّقت فکرة المهديّ ـ عليه السلام ـ علي عيسي بن مريم ـ عليه السلام ـ هي جزء من حلقات المؤامرة السياسيّة الاُموية علي القضيّة المهدويّة؛ بهدف اقصاء أئمّة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ عن الخلافة.

وقد أجمع علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة علي ردّ هذه الأحاديث؛ لمعارضتها للمتواتر والصحيح عن رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: من أنّ المهديّ من أهل البيت، ومن ولد فاطمة عليها السلام.

ومن هذه الأحاديث التي وضعوها في المهديّ ـ عليه السلام ـ لصالح السياسة الاُموية: حديث أنس المنسوب لرسول الله ـ صلّي الله عليه وآله ـ أنّه قال:

(لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس، ولا مهديّ إلاّ عيسي بن مريم). [4] .

وأسقط العلماء هذا الخبر من الاعتبار بدليلين:

الأوّل: من جهة السند، فاتفقوا علي أنّ آفته من محمّد بن خالد الجنديّ، وهو من الوضّاعين المعروفين؛ لثبوت تلاعبه بالأحاديث الصحيحة، کما فعل في حديث المساجد التي تشدّ اليها الرحال، وهو حديث صحيح، لکنّه رواه هکذا:

(تعمل الرحال الي أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد الأقصي، ومسجد الجند). [5] .

فجعل محمّد الجنديّ لمسجد بلدته، مکاناً مقدّساً بين المساجد المعظّمة.

الثاني: من جهة المتن، فاتفقوا علي أنّ هذا الخبر منکر؛ لمعارضته لما جاء متواتراً عن رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ: من أنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ من ولده، ومن عترته، ومن أهل

بيته، ومن أبناء فاطمة، وأنّ عيسي بن مريم ـ عليه السلام ـ ينزل في زمانه من السماء، ويصلّي خلفه، ويقتدي به؛ تأييداً لخلافته الالهيّة.

وقد جاء خبر اقتداء عيسي ـ عليه السلام ـ بصلاة المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ في الصحاح الستّة، وفي طليعتها (صحيح البخاري) و(مسلم). [6] .

وعلي أيّ حال: فانّ محاولة الاُمويّين تطبيق فکرة المهديّ ـ عليه السلام ـ علي عيسي ابن مريم عليه السلام، قد باءت بالفشل، لذلک استخدموا اُسلوباً آخر لاستغلال القضيّة المهدويّة لصالح السياسة الاُمويّة، فوضعوا بعض الأحاديث المصرّحة: بأنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ من بني اُميّة.

ومن ذکائهم ودهائهم أ نّهم نسبوا هذه الأحاديث لرواة من الصحابة والتابعين من بني هاشم؛ لتکون مقبولة عند عامّة المسلمين، فرووا عن ابن عبّاس أنّه سئل عن المهديّ ـ عليه السلام ـ فقال: (إنّه من عدنان من بني عبد شمس). [7] .

وفي رواية عن محمّد بن الحنفيّة قال: (إنّه اذا کان فانّه من ولد عبد شمس). [8] .

وعبد شمس هو الجدّ الأعلي للاُمويين.

وحاول بعضهم تطبيق أوصاف المهديّ ـ عليه السلام ـ علي عمر بن عبد العزيز، أو علي غيره من الاُمويّين، ولکن کلّ محاولاتهم هذه لم تجد نفعاً؛ لکثرة الأحاديث المصرّحة بأنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ من أهل بيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

وبعد نهاية الخلافة الاُمويّة لاقت القضيّة المهدويّة مؤامرات فکرّية وسياسيّة خطيرة جدّاً؛ لا نّها کانت بتخطيط من رجال ينتمون الي البيت الهاشميّ، من الحسنيّين والعبّاسيين، ممّن انتحلوا صفة المهديّ ـ عليه السلام ـ وتسمّوا باسمه، وتلقّبوا بألقابه المعروفة، والثابتة له في الأحاديث المرويّة بشأنه عن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

فالحسنيّون ادعوا أنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ منهم، وطبّقوا الأخبار النبويّة التي وصفته علي ولدهم الثائر علي الخلافة العبّاسية، وکان اسمه محمّداً، واسم أبيه عبد الله بن الحسن، فلما فشلت ثورته علي العبّاسيين وقتله أبو جعفر المنصور لقّبوه بـ (ذي النفس الزکية).

والعبّاسيون ادعوا أيضاً أنّ المهديّ ـ عليه السلام ـ منهم، وطبّقوا البشائر النبويّة الخاصّة به علي ثالث خلفائهم، واسمه محمّد، واسم أبيه عبد الله.

وعبد الله هو أبو جعفر المنصور الملقّب بـ (الدوانيقيّ)، وهو واضع مخطّط ادعاء المهدويّة لولده.

ومن هنا يعتقد بعض العلماء المحقّقين من أهل السنّة: أنّ الجملة الأخيرة من الحديث النبويّ القائل: «يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي» من الکلمات المدسوسة في هذا الحديث، [9] وهي في واقعها تعکس صورة عن الصراع التأريخيّ علي الخلافة بين الحسنيّين والعبّاسيين.

ومن هنا يمکن القول: بأنّ القضيّة المهدويّة لاقت في عصر الخلافة العبّاسية تحريفاً في النصوص؛ لأنّ عصر تدوين الحديث کان في مطلع خلافتهم، ولاقت تزويراً في التطبيق؛ لأ نّهم تستّروا بأهل البيت ـ عليهم السلام ـ وبالقضيّة المهدويّة بشکل خاصّ؛ من أجل الوصول الي الخلافة.

ولعلّه الي هذا المعني تشير الأحاديث النبويّة التي ذمّت الخلافة العبّاسية، وعبّرت عن بني العباس بـ (أهل الغشّ والخدع والالتباس) لا نّهم لبّسوا الحقّ بالباطل علي المسلمين.

وبعد العصر العبّاسي، أخذت المؤامرة علي القضيّة المهدويّة أشکالاً متعدّدة وصوراً مختلفة عن السابق، لا نريد أن نؤرّخ لحلقاتها التأريخيّة، وفصولها الفکريّة والسياسيّة، وأبعادها السلبيّة علي الاُمّة في هذا الکتاب المختصر.

وکانت من أبرز محاولات التآمر المکشوفة والمفضوحة علي هذه القضيّة الغيبيّة، محاولة الطعن بأحاديثها؛ من خلال تضعيف أَسانيدها، والطعن برواتها، وکان ابن خلدون في طليعة الأقلام التي فتحت باب الطعن باحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ ثم تبعه کتّاب آخرون علي شاکلته.

وبالرغم من أن هؤلاء الکتاب، الذين شارکوا ابن خلدون في طعنه باحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ لا خبرة لهم بعلم الرواية، وليس لهم معرفة، بل ولا ادني اطلاع بأصول الجرح والتعديل، لان قضية المهديّ ـ عليه السلام ـ من القضايا الإسلامية المتواترة، والتواتر خارج عن بحث الاسانيد، کما هو مقرر في علمي الحديث والأصول. مع ذلک فان محاولاتهم الفاشلة في الطعن باحاديث المهديّ ـ عليه السلام ـ قد جوبهت بردود علمية رصينة ومتينة جداً، من قبل کبار علماء الأمة، وخاصة من استاذة ومشايخ أهل السنة، المعنيين بدراسة الحديث النبوي والمهتمين في الدفاع عن ساحة قدسه. [10] .

ومن حلقات التآمر الخبيثة علي القضية المهدوية، محاولة تحجيمها في اطار مذهبي خاص، واعتبارها من العقائد الشيعية الخرافية، وتوجيه الاتهام الي رواة الشيعة بوضعها واختلاقها.

ونحن نعتقد ان هذه المؤامرة علي القضية المهدوية، ليست عفوية بل هي مؤامرة عقائدية وسياسية، تقف ورائها مخابرات دولية صهيونية واميرکية معادية للإسلام، وتنفذها أقلام اسلامية مستأجرة ومشبوهة، لان المسلم الملتزم لا يجرأ علي انکار ما ثبت بالنص القرآني والنبوي الصريح من الشرع المبين، لان انکار مثل ذلک يوجب خروجه عن الإسلام وارتداده عن الدين.

وقد ظهرت هذه المؤامرة علي القضية المهدوية، في تاريخنا المعاصر، باسم البحث العلمي، وحرية الرأي، وتسترت تحت شعارات براقة، مثل تطور الفکر الإسلامي، ونقد الفکر الشيعي، أو محاولة السعي لتطويره وتجريده من الخرافات والموضوعات، وغير ذلک من الشعارات الفکرية الاُخري التي لبست مسوح البحث العلمي المزيفة.

وعبرت هذه المؤامرة الفکرية الخبيثة عن نفسها باقلام کتّاب سطحيين لکنهم مختلفون ومتناقضون في نزعاتهم المذهبية وانتماآتهم السياسية مشبوهون في دوافعهم الفکرية، وفي طليعتهم أحمد أمين في کتابه (المهدوية في الإسلام) والشيخ عبد الله بن زيد المحمود في رسالته (لا مهدي ينتظر بعد الرسول خير البشر) والدکتور موسي الموسوي في کتاب (الشيعة والتصحيح).

وقد أنکشفت حقيقة هؤلاء الکتّاب وسطحيتهم في تعاملهم مع الفکر الإسلامي، واتضحت جهالتهم بمبادئ البحث العلمي ومناهجه واصوله، علي يد کتّاب إسلاميين من الشيعة والسنة، منهم سماحة العلاّمة الشيخ محمد امين زين الدين في کتابه (مع الدکتور أحمد أمين في کتابه المهديّ والمهدوية)، ومنهم الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه القيّم حول (عقيدة أهل السنة والأثر في المهديّ المنتظر) الذي کتبه في الرّد علي رسالة قاضي قطر الشيخ عبد الله بن زيد المحمود، ومنهم الدکتور علاء الدين القزويني في کتابه القيم (مع الدکتور موسي الموسوي في کتابه الشيعة والتصحيح).

ولکننا نعتقد ان البحث العلمي المقارن بين ما يتبناه أهل السنة والشيعة الإمامية، في العقيدة المهدوية، هو المنهج العلمي الوحيد القادر علي کشف حقيقة العقيدة المهدوية واثبات أصالتها الإسلامية، ونفي اختصاصها بمذهب معين دون المذاهب الاُخري، مما يؤکد زيف الأفکار المشبوهة التي طرحها هؤلاء الکتّاب للنيل منها من خلال تحجيمها في اطار مذهبي خاص.

ومن هذا المنطلق أولينا البحث المقارن في العقيدة المهدوية اهتماماً خاصاً في دراسة علمية موسعة، لم تنشر بعد، وهذه البحوث التي بين ايدينا مختصرة منها.


پاورقي

[1] أنّ هذه المؤامرة بدأت بالتحديد بعد وفاة رسول الله ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ مباشرة، في مخطّط منع السنّة النبويّة من التدوين والانتشار.

[2] التغابن: 8.

[3] الملاحم والفتن لابن طاووس: ص116 ـ 117 نقلاً عن تأريخ الطبري، وروي هذا الحوار ابن أبي شيبة في مصنّفه بسند صحيح، لکنّه لم يصرّح باسم معاوية، کما رواه نعيم بن حمّاد في الفتن: ص102 بسند صحيح أيضاً، وفيه بعض الاختلاف، ونقله المتقي الهندي عن ابن أبي شيبة وعن نعيم في کتابه البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان 2: 592 ـ 593 وقال محقّق الکتاب في الهامش التخريج صحيح.

[4] سنن ابن ماجة ج2 ح4039.

[5] تهذيب التهذيب 9: 125 ـ 126.

[6] راجع مناقشة علماء أهل السنة لهذا الحديث في (الأحاديث الضعيفة والموضوعة) للألباني و(عقيدة أهل السنّة والأثر في المهديّ المنتظر) للشيخ عبد المحسن العبّاد، وهو بحث روائي نشر في مجلة الجامعة الإسلامية في الحجاز العدد 3 السنة الاُولي أي سنّة 1388 في ذي القعدة، الموافق 1969 شباط.

[7] الفتن لابن حماد: ص103.

[8] المصدر السابق: ص102.

[9] راجع الباب الأول من کتاب (البيان في أخبار صاحب الزمان) للحافظ أبي عبد الله محمّد بن يوسف القرشيّ الشافعيّ المعروف بـ (الکنجي) فإنّه ممّن شکّک بصحّة صدور الجملة الأخيرة عن النبيّ ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ في هذا الحديث.

[10] راجع کتاب (ابراز الوهم المکنون من کلام ابن خلدون) وهو من التصانيف القيّمة للعلامة المجتهد في علم الحديث الشيخ أحمد بن محمد الصديق الأزهري الشافعي، وکتاب (الاذاعة لما کان وما يکون بين يدي الساعة) للسيد محمد صديق القنوجي.