بازگشت

المهدي في التصور الإسلامي الواعي


لم يطرح الإسلام قضيّة المهديّ ـ عليه السلام ـ مجرّد فکرة خياليّة، تبشّر بقائد مبهم، سيظهر في المستقبل المجهول لانقاذ البشريّة من الظلم والجور.

بل طرحها کقضيّة عقائديّة، ذات معالم واضحة ثابتة في التصوّر الإسلاميّ، وحاضرة في ضمير الأُ مّة ووجدانها، وحاضرة في حياتها السياسيّة والجهاديّة وهي تصارع واقعها الاجتماعي المنحرف، وتسعي لتغييره نحو الإسلام، وتواجه رموز الکفر والضلال في معارکها الجهاديّة مع أعدائها.

کلّ ذلک من أَجل تهيئة الأرضيّة الايمانيّة والرساليّة الملائمة لاستقبال قائدها المرتقب؛ لا نّها علي موعد مفاجئ لاستقباله والمشارکة في ثورته العالميّة.

والموعد لاستقبال الثائر العالميّ ـ حينما يکون غير محدّد التاريخ ـ يعني الاستعداد الدائم، والتهيّؤ المستمرّ لاستقباله والمشارکة في حرکته الثوريّة العالميّة؛ لا نّنا نتوقّع ظهوره في کلّ يوم.

إنّ فکرة الثائر العالميّ المنتقم من أعداء الله، هي بحدّ ذاتها تحدّ لعالم ملي بالظلم والجور، زاخر بالفساد والضلال، عالم تحکمه المنافع الماديّة، ويسيطر

علي مقدّارته الطاغوت وجبروت القوّة الظالمة، والمهديّ المنتظر ثورة شاملة، علي کلّ جوانب الحياة المنحرفة التي تسود المعمورة، وتسيطر عليها بجبروتها وسلطانها، وتملأ الأرض ظلماً وجوراً.

ومن الطبيعيّ أن تبعث هذه الفکرة الغيبيّة الروح الثوريّة والمشاعر الجهاديّة في الوجدان الإسلاميّ؛ لأ نّها تجسّد في ضمير المنتظرين الثورة علي الظلم والجور، وعلي الکفر والشرک، والرفض المطلق لجميع أشکال الانحراف، والتحدّي العقائديّ لأئمّة الکفر والطاغوت، مهما تفرعنت قواه، وتعملقت سطوته، وامتدّ سلطانه.

وفي الوقت الذي تمثّل فيه الفکرة المهدويّة صرخة مدوّية بوجه طواغيت الأرض، ورفضاً مطلقاً لکلّ أشکال الانحراف عن القيم الالهيّة، فهي أيضاً دعوة مفتوحة تحثّ المسلمين علي الالتزام الصحيح بالإسلام عقيدة وشريعة؛ لأنّ ثورة المهديّ ـ عليه السلام ـ ونقمته لا تبدأ في أوساط المجتمعات الکافرة والمشرکة، ولا تنطلق من المجتمعات الأوربيّة، بل تنطلق من داخل المجتمعات الإسلاميّة؛ لتبدأ بتصفيتها من المسلمين المنحرفين عن الإسلام، ممّن لم يوفّقوا للتوبة و اصلاح أنفسهم قبل ظهور المهديّ عليه السلام.

وهکذا نري أنّ قضيّة المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ قد تحوّلت ـ في التفکير الإسلاميّ الواعي ـ الي عمليّة انتظار حرکيّة وجهاديّة واعية، تقود المنتظرين لخوض معرکة تربويّة ذاتيّة، وهي معرکة الجهاد الأکبر مع الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء؛ بهدف الانتصار عليهما، وتطهير الباطن من عوامل الانحراف، التي تمنع المسلم من التشرّف برؤية المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ وتصدّه عن السير علي منهاجه.

وفي نفس الوقت يدعو الإسلام کلّ مسلم للدخول في ساحة المواجهة

العقائديّة والسياسيّة والجهاديّة مع اعدائه؛ ليشارک في عملية التمهيد لظهور قائده المنتظر ـ عليه السلام ـ وليکون علي أتمّ الاستعداد لاستقباله، وخوض معارک الفتوحات العالميّة بقيادته، والمشارکة في تأسيس دولة العدل الربّانية في ظلّ خلافته العالميّة.