بازگشت

المقدمة


هذه بحوث فکرية وتأريخية مقارنة، تتناول ـ باختصار ـ موارد الاتفاق والاختلاف العقائديّ والتأريخيّ، بين الشيعة والسنّة في موضوع المهديّ المنتظر عليه السلام، اعتمدت في دراستها علي مصادر الفريقين.

وفي مطلع البحث قدّمت مدخلاً يوضّح دور العقيدة المهدويّة في التفکير الإسلاميّ الواعي، ويشرح أبعاد المؤامرة علي هذه العقيدة تاريخيّاً وسياسيّاً وفکريّاً، ثمّ سلّطت الأضواء علي مجالات الاتفاق في القضيّة المهدوية بين المدرستين الشيعيّة والسنّية، معتمداً علي النصوص القرآنيّة والنبويّة المتسالم علي صحّتها لدي علماء الطائفتين.

وأمّا المجالات الخلافيّة، التي تشکّل دائماً محور الصراع المذهبي في الأُمّة بصورته التأريخيّة والعقائديّة والسياسيّة، فانّه لا مجال لوضع حدّ لها والقضاء عليها، ما لم تتّجه حرکة الفکر الإسلاميّ بنوايا مخلصة لتصفية خلافاتها التأريخيّة والفکريّة في ضوء المنهج العلميّ، المستخلص في أُسسه العلميّة من الکتاب الکريم والسنّة النبويّة الصحيحة.

انّ الاهتداء الي هذا المنهج الربّاني لتوحيد الموقف الإسلاميّ ـ فکراً وسلوکاً ـ ليس أَمراً عسيراً ومستعصياً، اذا ما رجع المسلمون الي کتاب الله تعالي الذي وصفه بقوله سبحانه: (إنَّ هَذا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ...) [1] و اذا ما تحاکموا في حلّ

خلافاتهم الي السنّة النبويّة المعتبرة، کما أمرهم الله تعالي بقوله:

(فَلاَ وَرَبِّکَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَکِّمُوکَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ حَرَجَاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَاً). [2] .

وفي مواجهة الخلافات المذهبيّة في موضوع المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ حاولت قدر المتيسر الاستهداء بنور الوحي، والاستضاءة بأقباس النبوّة في البحث عن الثوابت الفکريّة والتأريخيّة المشترکة بين المدرستين؛ لحسم الخلاف بينهما في الموضوعات المطروحة.

وبالرغم من أنّ الأدلّة المساقة في هذه الرسالة لحلّ الخلافات المذهبيّة في القضيّة المهدويّة، تتسّم بالعمق والقوّة والأصالة، ولا يقوي علي انکارها إلاّ معاند للحقّ، أو کاره له، أو متکبّر علي العلم، إلاّ أنني اعترف سلفاً بأ نّها في غاية الاختصار، وعذري في ذلک، أ نّها مجموعة أبحاث استخلصتها واختصرتها من دارسة شاملة وموسّعة في البحث المقارن؛ لحلّ الخلافات المذهبيّة في المهديّ المنتظر ـ عليه السلام ـ ولحدّ الآن لم أوفّق لنشرها.

علي أيّ حال: أرجو من الله تعالي أن اُوفّق في هذا البحث المتواضع للتقريب بين وجهات نظر المسلمين ـ علي اختلاف مذاهبهم ـ فيما يتعلّق بالخلافات في العقيدة المهدويّة.

کما آمل أن يساهم هذا البحث المختصر في ازاحة الشبهات الباطلة التي الصقتها بمدرسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ الصراعات التأريخيّة والمذهبيّة والفکريّة الظالمة المتعصّبة.

اللّهمّ اجعلنا ممّن يقتفي آثار کتابک، ويهتدي بهدي رسولک ـ صلي الله عليه وآله وسلم ـ ويستضي بنور ولاية أهل بيته، الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهّرهم من الدنس، وکرّمهم بالقيادة، وجعلهم قدوة لعباده في العلم، والأخلاق، والجهاد، والسياسة، والعبادة، والشهادة.

والحمد لله رب العالمين، عليه توکّلت، و اليه أنبت، حسبي الله ونعم الوکيل.

مهدي الفتلاوي

12 / جمادي الثاني / 1416 هـ


پاورقي

[1] الاسراء: 10.

[2] النساء: 66.