بازگشت

دور الامام العسکري في الاعلان عن الولادة


علي الرغم ممّا اُحيط به الميلاد المبارک من کتمان وسريّة وخفاء نجد أنّ الإمام العسکري عليه السلام لا يکتم ذلک عن خاصّته من ثقاته، فهو يأمر أباعمر عثمان بن سعيد، وهو من أخصّ أصحابه لديه بأن يعقّ عن المولود الجديد عدداً من الشياه وأن يشتري عشرة آلاف رطل من الخبز وعشرة آلاف رطلاً لحماً ويوزّعه علي الفقراء، کما أرسل الإمام العسکري عليه السلام شاة مذبوحة الي محمّد بن إبراهيم الکوفي، وهي عقيقة عن المولود الجديد [1] .

ويتباشر أصحاب الإمام العسکري بميلاد الإمام المهدي عليه السلام ويأتون الإمام مهنِّئين بالمولود ويتواصون فيها بينهم بکتمان الأمر، ويسأل أحدهم عن اسمه عليه السلام فقال له سُمّي: ب«محمّد»وکنّي:«بأبي جعفر»ومن خلال الظروف والملابسات التي کانت تحيط بالإمام العسکري عليه السلام والجماعة الصالحة يتّضح عِظَم المهمة التي يقوم بها الإمام عليه السلام تجاه ولده المبارک، وتتمثّل هذه المهمة في أمرين:

1 - التعريف بولادة الإمام عليه السلام ليثبت ذلک التاريخ والاُمة الإسلامية فضلاً عن الجماعة الصالحة التي تنتظر مولده عليه السلام وتأمل إقامة دولة الحق علي يديه لإيمانها بقيادته الروحية والفکرية وفقاً للنصوص الواردة عن النبي صلي الله عليه وآله حيث قال:«يکون بعدي اثنا عشر خليفة» [2] .

إذاً فليس من الممکن أن يبلغ الحذر والتوقي الي حدّ إخفائه الکامل بحيث يؤدي الي ضياع اسمه وإنکار وجوده، مع کونه عليه السلام الإمام الثاني عشر لمواليه والمسلمين والقائد المؤمّل والمذخور لإقامة دولة الحق.

فلابد إذن من إقامة الحجّة والدليل علي وجوده علي المستوي الخاص بمواليه وعلي مستوي المسلمين عامة بحيث يصبح هناک تواتر في الأخبار علي ولادته ورؤيته، ليدحض مزاعم من يقول بعدم ولادته وعدم وجوده.

2 - حماية الإمام المهدي عليه السلام من السلطة وطغاة العباسيين ومطاردتهم له، کما أتّضح ذلک من الظروف الخاصّة والعامة التي أحاطت بالإمامين عليهما السلام، مع ما کانت تعرفه السلطة ويعرفه الخليفة من أحقّية الإمام عليه السلام وأنه من أهل البيت وأنه مزيل عروش الظالمين، غير أن حبّ السلطة والجاه والمصالح والمنافع التي تحرّک الخليفة وأعوانه والاُسرة الحاکمة، کانت تمنع من إرجاع الحق الي أهله. ومن هنا کانت السلطة تشعر بهاجس الخوف من ولادة المهدي عليه السلام، ووجود الشخص الذي وردت الأخبار حوله عن الرسول صلي الله عليه وآله وشاعت بين المسلمين کافة بأنه عليه السلام هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً.

فظهوره عليه السلام يعني الحکم علي نظامهم بالإنقراض المحتّم، وفضح انحرافاتهم وبعدهم عن الرسالة الإسلامية.

والخليفة والسلطة بطبقاتها، وان لم يتمکّنوا من تحديد تاريخ ميلاد الإمام المهدي عليه السلام لما اُحيط به من سرية من قبل الإمام العسکري عليه السلام إلا أنهم کانوا يعلمون إجمالاً أن زمانه عليه السلام قد أطلّ عليهم وأنه علي وشک الولادة لما عرفوا من أن الإمام العسکري عليه السلام يکون الإمام الحادي عشر في سلسلة خلفاء الاُمة الإسلامية التي وعد الرسول صلي الله عليه وآله بأنهم عدد نقباء بني إسرائيل... فيکون ولده الإمام المهدي عليه السلام هو خاتم هذه السلسلة المبارکة من الأئمةعليهم السلام.

وممّا يرشدنا الي جهل السلطة بوجوده وميلاده عليه السلام وترقّبها لميلاده، هو ما قامت به السلطة من مراقبتها لنساء الإمام العسکري عليه السلام والبحث عمن تظهر عليها علامات الحمل، مع أن الإمام عليه السلام کان مولوداً قبل خمس سنوات، وقد عرضه الإمام العسکري علي خواصّه ومواليه.

وإذا کان نشاط الإمامين العسکريين عليهما السلام مقتصراً علي حفظ مصالح قواعدهم الشعبية والسياسية من الجهاز الحاکم، فقد کان ذلک مثيراً للسلطة إذ کان لها مواقف مختلفة ضد الإمامين عليهما السلام، فکيف بنشاط الإمام المنتظرعليه السلام لإقامة الحق والعدل، ومحو الجور والظلم لتنعم الإنسانية في ظلاله الوارفة بکرامة الإسلام وعدله، ولهذا کانت السلطة تترقّب وتبحث من أجل التعرف علي أخبار المولود الموعود. ومن هنا يتّضح مبلغ حراجة موقف الإمام العسکري عليه السلام ودقّته في مثل تلک الظروف والتي هي في غاية التعقيد خصوصاً إذا عرفنا أن الإمام العسکري کان يعيش في مجتمع قد سلّطت عليه الأضواء فيه وانه تحت إقامة جبرية ومراقبة دائمة، فهو المثال الذي يقتدي به لتقواه وورعه وعلمه، فضلاً عن القاعدة الواسعة من الاُمة الإسلامية آنذاک والتي کانت تقول بإمامته وترجع إليه في حل مشاکلها، فضلاً عن أن السلطة کانت تلجأ إليه بين الحين والآخر عندما تقع في مأزق أو واقعة يعيا فيها السطان وتؤرّقه المشکلة ويشل فيها تفکير فقهاء السلطة ووعّاظها فلا تجد السلطة من بدٍّ في الالتجاء الي الإمام العسکري للتخلّص من المأزق الذي وقعت فيه، کما في قصّة الراهب الذي استسقي للمسلمين ومعه الخليفة وکاد أن يرتد أکثر الناس، وکان الإمام في السجن، فأخرجه المعتمد وقال له، أدرک دين جدّک فخرج وکشف حيلة الراهب [3] .

والإمام في نظر السلطة کان يمثّل القطب الأهم في الجبهة المعارضة وهو امتداد لخطّ آبائه عليهم السلام، والسلطة علي معرفة تامّة بهم وبمواقفهم تجاهها، ولهذا کان تقريبها للإمام عليه السلام في البلاط ودمجه في دائرتها لتحديد أثره ونشاطه.

ولمّا کانت الاُمة علي علم واطّلاع بالمهمة والدور الذي يقوم به الإمام المهدي المنتظرعليه السلام فمن الطبيعي أن تتوجّه الأنظار صوب ميلاده ووجوده عليه السلام.

وبغضّ النظر عن کون المنتظرين يؤمنون أو لا يؤمنون بقيادة أهل البيت عليهم السلام فقد کان من تخطيط الإمام العسکري عليه السلام عدم الإعلان عن ولادة ولده، وإن کان معتاداً أن يعلن عن الولادة وتقام الولائم شکراً للَّه سبحانه علي نعمه، إذ کانت الاُمور تجري في بيت الإمام عليه السلام بصورة طبيعية، ولم يکن هناک أي نشاط يثير الانتباه حتي أن خادم الإمام عليه السلام لم ينتبه الي شي ء [4] ، ولم يعرف شيئاً، ولما لم يکن انتباه وشک في ولادته عليه السلام فمن الطبيعي أن لا يحصل بحث وسؤال وتتّبع لوجود الإمام عليه السلام أو ولادته.

وکان يساعد الإمام العسکري عليه السلام علي إخفاء ولادة الإمام المهدي عليه السلام - مساعدة کبري - تطبيقه لسياسة الاحتجاب علي نفسه، وانقطاعه عن أصحابه ومواليه إلّا بواسطة المراسلات، حيث استطاع عليه السلام بذلک تحقيق نتيجتين أساسيتين:

1 - تعويد قواعده الشعبية علي فکرة الاحتجاب والقيادة غير المباشرة.

2 - إحاطة تحرّکه بالکتمان والسرية التامة، واستقطاب المهام التي کانت تحتاج تدخّله ورأيه عليه السلام بشکل منفرد وبعيد عن الانتباه، وتسليط الأضواء بعيدةً عن رقابة الدولة وعيونها لأنه سوف لا يطّلع علي تحرکه بهذا الخصوص إلّا من له صلة بهذا التحرک.

کما کان للظروف غير الطبيعية التي تمرّ بها الدولة آنذاک دور مساعد في عملية إخفاء الولادة حيث کانت الدولة توجّه أنظارها الي صاحب الزنج الذي انتفض في جنوب العراق والأهواز في نفس عام ميلاد الإمام الحجةعليه السلام (255ه )والمتتبّع للتاريخ العامّ يعرف ما أوجده صاحب الزنج من فزع وقلق في أذهان الناس عامّة ولجهاز الحاکم خاصة [5] .

وحتي عام (258 ه) الذي أوکل فيه المعتمد قتال صاحب الزنج وسواه الي أخيه أبي أحمد الموفق لم يکن قد ثار حول ولادة الإمام عليه السلام أي إحساس والتفات أو شک من قبل المجتمع والدولةنتيجة لتلک الظروف، وقد استطاع الإمام العسکري عليه السلام أن يضمن حماية ولده المهدي عليه السلام من الجهاز الحاکم ومن عيونه، وبذلک قام بالوظيفة الثانية خير قيام.

أما بالنسبة للوظيفة الاُولي للإمام العسکري عليه السلام، وهي إثبات وجود المهدي عليه السلام للتأريخ والاُمة الإسلامية عامة ولمواليه خاصة... وفي مثل تلک الظروف التي عاشها الإمام العسکري عليه السلام کان لابد أن يختصّ التبليغ بوجوده ورؤيته بالأشخاص الذين يعلم بصلابة إرادتهم وقوّة إيمانهم بقيادة الأئمةعليهم السلام - فضلاً عن إطمئنان الإمام عليه السلام الي صلابتهم وقوة إرادتهم في الصمود تجاه إغراء واضطهاد السلطة الحاکمة - وکان بهذه الطريقة قد تمکن من کتمان ولادته عليه السلام وحجبها عن غير مواليه بل حتي عن جمهور الموالين ممّن لا يحرز فيه الحفاظ علي سرية الولادة وکتمانها، عندما يتعرّض الي الاضطهاد والمطاردة من قبل السلطة.

وکان الإمام العسکري عليه السلام عندما يخبر أو يُطلع أحداً علي المولود المبارک يُلزمه بأن يکتم خبره ولا يذکر اسمه [6] .


پاورقي

[1] کمال الدين: 432:2 وما بعدها.

[2] مسند أحمد بن حنبل: 92:5 ح20347.

[3] الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي: 314 - 313.

[4] کمال الدين: 636:1.

[5] تاريخ الطبري ج7، أحداث عام 255 ه وما بعدها.

[6] الغيبة، الطوسي: 215 ومابعدها.