بازگشت

الامام العسکري يعرض ولده علي الخواص


اتّضح من خلال الإجراءات التي اتخذها الإمام العسکري عليه السلام أن السلطة لم تکن قد التفتت الي ولادة المهدي عليه السلام أو أحسّت بشي ء يدلّ علي ذلک، وکانت السلطة تترقّب ولادته وتبحث عنه غير أن محاولاتها باءت بالفشل.

وکان الإمام العسکري عليه السلام يکتفي عند عرض ولده علي خاصّته بقوله لهم:«هذا إمامکم»يعني أنه الإمام بعده، ويقتصر في التصريح باسمه علي الأقل، کما أنه عليه السلام لم ينه عن تسميته [1] .

فالإمام عليه السلام حيث کان يُريد أن يثبت وجود ولده المهدي عليه السلام، کان يختار من يطمئنّ إليه وخاصة اُولئک الذين يربطون بينه وبين قواعده الشعبية وينقلون المراسلات والتوقيعات منه وإليه، فانهم خير من يستطيع أن يبلّغ خبر الولادة الي القواعد الشعبية، فإن هذه القواعد تعرف سلفاً وثاقة هؤلاء الأشخاص وإيمانهم وإخلاصهم واعتماد الإمام عليه السلام عليهم. حيث لا يتيسّر للقواعد الشعبية أن تري الإمام عليه السلام في الحالات الطبيعية، فکيف في تلک الظروف المعقدة وهي کانت تحصل علي ما تحتاجه عن طريق اُولئک الذين هم حلقة الوصل بين الإمام عليه السلام وقواعده، فمثلما کان يحصل لهم اليقين بما ينقلونه لهم عن الإمام عليه السلام فکذلک سوف يحصل لهم اليقين والإطمئنان بخبر الولادة ووجود الإمام المهدي عليه السلام من نفس الطريق. کما أن ذلک هو طريق کافّة الناس في حصول اليقين والإطمئنان في مثل تلک الأحوال في مجال نقل الحوادث والأخبار.

ونحن الذين نعيش عصر الغيبة الکبري قد وصلنا من طرق الخاصّة والعامةتواتر خبر ولادته ووجوده، فکيف من عاش في ذلک الزمن الذي کانت کلّ القرائن تدلّ عليه، وکلّ الأيدي تشير إليه؟! وکان همّ أبيه ووکلائه وأصحابه، هو التأکيد علي وجوده والتبليغ عنه الي کلّ من يصلح أن يتحمّل مسؤولية ذلک.

وکان أوسع إعلان قام به العسکري عليه السلام بين أصحابه عن ولادة ابنه وإمامته من بعده ووجوب طاعته عليهم قبل وفاة الإمام عليه السلام بأيام، وقد کان مجلسه غاصّاً بأربعين من أصحابه وخاصته، منهم: محمدبن عثمان العمري، ومعاوية بن حکيم، ومحمدبن أيوب بن نوح وسواهم، فعرض عليهم ولده عليه السلام وقال: هذا إمامکم من بعدي وخليفتي عليکم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلکوا في ديارکم، ثم أضاف مشيراً الي غيبته عليه السلام: أما إنّکم لا ترونه بعد يومکم [2] .

کما أن الإمام عليه السلام قد عرض ولده في اليوم الثالث من ولادته وأشار أيضاً الي غيبته وظهوره عليه السلام... فهو القائم الذي تمدّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً، خرج فملأها قسطاً وعدلاً.

فهکذا کان الإعلان الرسمي الکبير حول مولده عليه السلام بعد الميلاد وقبل وفاة الإمام العسکري عليه السلام لکي يکون هو الأساس لإقامة الحجة تجاه القواعد الشعبية الموالية، کما أن الإمام عليه السلام کان يعرضه خلال هذه المدة علي أشخاص يزورونه بمفردهم. منهم: عمرو الأهوازي حيث أراه الإمام ولده المهدي عليه السلام وقال له: هذا صاحبکم [3] .

وممّن رأي الإمام المهدي عليه السلام رجل من فارس کان قد قصد الإمام العسکري عليه السلام ليتشرّف بخدمته فأذن له الإمام بذلک فکان مع الخدم يشتري لهم الحوائج من السوق، وبقي علي هذه الحال حتي أصبح خاصّاً وارتفعت الکلفة بينه وبين الإمام عليه السلام... فکان يدخل الدار دون استئذان إذا لم يکن فيها إلّا الرجال، وبينما هو داخل عليه في يوم من الأيام إذ سمع حرکة في البيت فناداه الإمام عليه السلام: مکانک لا تبرح. قال: فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل. فخرجت عليّ جارية معها شي ء مغطّي، ثم أمره الإمام عليه السلام بالدخول فدخل الغرفة، وأمر الجارية أن ترفع الغطاء فکشف عن غلام أبيض حسن الوجه، قدّره الراوي بسنتين، وقال الإمام عليه السلام: هو صاحبکم، ثم أمر الجارية به فحملته، فلم ير بعد ذلک حتي توفّي الإمام العسکري عليه السلام.

فمع کون هذا الرجل ملازماً لدار الإمام عليه السلام وقربه منه، نجد أنّه لم يعلم بولادة الإمام عليه السلام ولم يشعر بأي أمر غير طبيعي في الدار، واکتفي الإمام بعرضه عليه مرّة واحدة کما هو الشأن مع جملة أصحابه وخاصّته. وبالتأمّل في الرواية نجد أن المولود المبارک قد عرض علي رجال آخرين کانوا في الدار وليس علي هذا الرجل فحسب [4] .

وممّن عُرض عليه الإمام المهدي عليه السلام ونظر إليه، هو أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، وهو من خاصّة الإمام عليه السلام، وکان أحمد هذا قد قصد زيارة الإمام العسکري عليه السلام، يُريد أن يسأله عن الخلف من بعده، ومن يتولّي الإمامة بعد وفاته ويضطلع بشؤون الاُمة، فيدخل عليه فيقول له الإمام عليه السلام مبتدءاً: يا أحمدبن إسحاق إن اللَّه تبارک وتعالي لم يُخل الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها الي أن تقوم الساعة من حجّة اللَّه علي خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه ينزل الغيث وبه يخرج برکات الأرض. ثم يسأل الإمام العسکري عليه السلام عن الإمام بعده فينهض الإمام عليه السلام مسرعاً ويدخل إحدي الغرف، ثم يخرج وعلي عاتقه غلام کأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين ثم يقول: يا أحمد بن إسحاق لولا کرامتک علي اللَّه عزّ وجل وعلي حججه ما عرضت عليک ابني هذا، إنّه سمي رسول اللَّه صلي الله عليه وآله، وکنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً کما مُلئت جوراً وظلماً يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الاُمة مثل الخضرعليه السلام ومثله مثل ذي القرنين، واللَّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو فيها من الهلکة إلّا من ثبّته اللَّه عزّ وجل علي القول بإمامته ووفّقه اللَّه للدعاء بتعجيل فرجه.

قال أحمد بن إسحاق: فقلت: يا مولاي فهل من علامة يطمئن بها قلبي؟ فنطق الغلام عليه السلام بلسان عربي فصيح: أنا بقية اللَّه في أرضه والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق.

قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً. وعُدت إليه في الغد، فقلت له: يابن رسول اللَّه، لقد عظم سروري بما مننت عليّ فما السنّة الجارية عن الخضر وذي القرنين؟ قال: طول الغيبة يا أحمد. قلت: يابن رسول اللَّه وإن غيبته لتطول قال: أي وربّي، حتي يرجع عن هذا الأمر أکثر القائلين به إلّا من أخذ اللَّه عزّ وجل عهده بولايتنا وکتب في قلبه الإيمان وأبرّه بروح منه، يا أحمد بن إسحاق هذا أمر من أمر اللَّه وسرّ من سرّ اللَّه، وغيب عن غيب اللَّه فخذ ما آتيتک واکتمه وکن من الشاکرين معنا في عليّين [5] .


پاورقي

[1] الغيبة، الطوسي: 281 - 280.

[2] کمال الدين: 435:2.

[3] الإرشاد، الشيخ المفيد: 330.

[4] کمال الدين: 436، الحديث 4.

[5] کمال الدين، الباب 38، الحديث 1.