بازگشت

علة اخفاء ولادته


إنّ قضية الإمام المهدي عليه السلام بکلّ أبعادها ومظاهرها قضية تتعلّق بإرادة اللَّه سبحانه وحکمته فهو أعلم حيث يجعل رسالته، وهي من القضايا العامة التي اهتمّت الديانات بها، وبشّر الأنبياء بظهور المصلح المنتظر الذي يزيل الظلم ويقيم دولة الحق، فهي ليست قضيّة إسلامية خاصة ولا هي من معتقدات الشيعة الإمامية فحسب، فالتوراة تضمّنت البشارة به وکذا الأناجيل الأربعة، بيد أن وضوح الرؤية حول هذه العقيدة جلّت بکل أبعادها - فيما عدا التوقيت بظهور الإمام عليه السلام - بما تناقله المسلمون علي امتداد التاريخ الإسلامي منذ البعثة وحتي يومنا هذا.

أما بخصوص العلّة في إخفاء ولادته فقد اُثر عن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام ما يوضّح السبب والعلّة في إخفاء ولادته عليه السلام:

1 - عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه - أي الإمام الصادق عليه السلام - قال:«صاحب هذا الأمر تعمي ولادته علي هذا الخلق لئلا يکون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج» [1] .

2 - وعن الإمام علي بن موسي الرضاعليه السلام أنه قال:«کأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي - أي الإمام الحسن العسکري عليه السلام - کالنعم يطلبون المرعي فلا يجدونه. قلت له: ولِمَ ذاک يابن رسول اللَّه؟ قال: لأن إمامهم يُغيّب عنهم، فقلت: ولِمَ؟ قال: لئلا يکون لأحد في عنقه بيعة إذا قام بالسيف [2] .

3 - عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: إنّ للقائم غيبة يطول أمدها، فقلت له:يابن رسول اللَّه ولِمَ ذلک؟ قال: لأن اللَّه أبي إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياءعليهم السلام في غيباتهم، وأنه لابد له يا سدير من استيفاء مدة غيبته، قال اللَّه تعالي:«لترکبنّ طبقاً عن طبق» [3] أي سنن من کان قبلکم» [4] .

4 - وعن زرارة قال: سمعت أبا جعفر - أي الإمام الباقرعليه السلام - يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف - وأومأ بيده الي بطنه - قال زرارة: يعني القتل [5] .

5 - عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إنّ القائم منّا إذا قام لم يکن لأحد في عنقه بيعة، فلذلک تخفي ولادته ويغيب شخصه.

6 - عن سدير بن حکيم، عن أبيه عن أبي سعيد عقيصاً قال: لمّا صالح الحسن بن علي عليه السلام معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس، فلامه بعضهم علي بيعته، فقال: ويحکم ماتدرون ما عملت، واللَّه الذي عملت خيراً لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أنني إمامکم مفترض الطاعة عليکم، وأحد سيدي شباب أهل الجنّة بنصّ من رسول اللَّه صلي الله عليه وآله عليّ؟ قالوا: بلي، قال: أما علمتم أن الخضرعليه السلام لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام کان ذلک سخطاً لموسي بن عمران إذ خفي عليه وجه الحکمة في ذلک؟ وکان ذلک عند اللَّه تعالي ذِکّرِه حکمةً وصواباً.

أما علمتم أنه ما منّا أحد إلّا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي يصلي روح اللَّه عيسي بن مريم عليه السلام خلفه، فإن اللَّه عزّ وجل يخفي ولادته ويغيّب شخصه لئلّا يکون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذلک التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيّدة الإماء يطيل اللَّه عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلک ليعلم أن اللَّه علي کلّ شي ء قدير [6] .

7 - وعن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام قال: للقائم غيبة قبل قيامه، قلت: وَلِمَ؟ قال: يخاف علي نفسه الذبح [7] .

إنّ هذه الأحاديث الشريفة کلّها تفيد أن علّة إخفاء الولادة وأنّ سبب الغيبة ترجع الي أمرين:

الأوّل: أن لا تکون في عنقه بيعة لطاغية زمانه.

الثاني: الخوف من القتل.

وإنّ الحديث السابق عن الإمام الحسن المجتبي عليه السلام والذي ضرب فيه المثل لما قام به الخضرعليه السلام واستنکار نبي اللَّه موسي عليه السلام لذلک نظراً لعدم وضوح حکمة اللَّه له، يُستفاد منه أنّ للإخفاء علّة معلومة عند اللَّه وإن کانت خافية علي الناس، وإن سألوا ولم يعرفوها فعليهم التسليم لحکم اللَّه وحکمته [8] .


پاورقي

[1] کمال الدين: 480 - 479 :1.

[2] کمال الدين: 480:2.

[3] الانشقاق: 19.

[4] کمال الدين: 481:2.

[5] کمال الدين: 481:2.

[6] کمال الدين: 316:1.

[7] کمال الدين: 481:2.

[8] تاريخ الإسلام، سيد منذر الحکيم: 38:4.