بازگشت

الامام الحسن العسکري و ظروف الولادة


إنّ تتبّع الأحداث ووقائع عصر الإمامين علي بن محمد الهادي والحسن بن علي العسکري عليهما السلام يوضح موقف السلطة نحوها وما کانا يعانيان من قهر واضطهاد وإبعاد عن القواعد الشيعية من أجل تطويقها ووضع العراقيل أمام تأثيرهما في هذه القواعد وغيرها من أبناء الاُمة الإسلامية، فإنّ المتوکل مع اشتهار بغضه للإمام علي عليه السلام وأبنائه وشيعته کان قد أشخص الإمام الهادي عليه السلام من مدينة الرسول صلي الله عليه وآله الي سامراء وأرسل إليه رسالة يُظهر فيها حبّه وتقديره وتکريمه له عليه السلام وذلک عام (224 ه ) [1] حيث أرسل يحيي بن هرثمة لإشخاص الإمام عليه السلام إليه، وکان بصحبته الإمام العسکري عليه السلام وهو لم يزل صغيراً وله من العمر عامان [2] .

وهذه الخطوة من الخليفة العباسي تظهر مخاوف السلطة من دور الإمام عليه السلام وأن إشخاصه الي البلاط وقربه من السلطة يجعله دوماً تحت مراقبة عيونها ويسهّل عليها التعرف علي تحرّکه واتصالاته والداخلين عليه من مواليه ومؤيديه ممّا ييسّر للسلطة متابعة ذلک، واتخاذ الاجراءات الکفيلة بالحدّ من تأثيره ثم متابعة شيعته ومطاردتهم وإلقائهم في السجون فضلاً عن وسائل السلطة الاُخري في قهرهم واضطهادهم.

وکانت سامراء عاصمة الدولة العباسية مسرحاً لتلک الأحداث والوقائع ولنشاط الإمامين الهادي والعسکري عليه السلام، وما يلاحظ علي نشاطهماعليهما السلام تجاه السلطة العباسية من قرب من الخليفة وحضور مجالسه لم يمنعهما ذلک من ممارسة دورهما في رعاية تلک القواعد المؤمنة بقيادتهما الروحية والفکرية وتربيتها، فکاناعليهما السلام يتکفّلان الإصلاح والحفاظ علي الشريعة ما استطاعا الي ذلک من سبيل، بيد أن ذلک النشاط في الغالب کان يتّصف بالحذر، کما کان محاطاً بالکتمان والرمزية قولاً وعملاً إلّا ما يطرحه الإمام عليه السلام أمام خلّص أصحابه ومواليه ومن هو علي درجة عالية من الارتباط بالإمام عليه السلام.

وکان للإمامين عليهما السلام جمع من الوکلاء المنتشرين في الأمصار الإسلامية، وکان للوکيل دور هام في إيصال ما يصدر عن الإمام عليه السلام الي قواعده وما تريده القواعد من الإمام عليه السلام. وکان الوکلاء يجمعون الحقوق الشرعية من خمس وزکاة ترد إليهم من شيعة الإمام عليه السلام ومواليه المنتشرين في المناطق المختلفة من الوطن الإسلامي آنذاک فکانوا يوصلون هذه الأموال الي الإمام عليه السلام ومعها الأسئلة والاستفتاءات حول المسائل الدينية والدنيوية، وکان الإمام عليه السلام يقوم بدوره في تقسيمها وتوزيعها والإجابة علي ما يرد إليه من أسئلتهم واستفساراتهم عن طريق وکلائه وخواصّه لتصل الي قواعده الشعبية للعمل وفقاً لها [3] .

وأما موقف السلطة فکان يتمثّل في الخليفة نفسه وقوّاده ووزرائه وخاصّته وأهل بيته من العباسيين الذين کانوا يتوجّسون خيفةً باستمرار من وجود الإمام عليه السلام وما يصدر عنه، قول أو فعل من أحد أصحابه، فمن يُعرف بولائه واتصاله بالإمام عليه السلام فالسجن والأغلال هما النهاية الطبيعية له، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل کان يتعدّاه الي إلقاء القبض علي الإمام عليه السلام وإيداعه السجن وفرض مراقبة مشدّدة عليه في سجنه فضلاً عن اختيار أسوأ السجّانين خُلقاً وسلوکاً وممّن يعرف بعدائه ونصبه للإمام عليه السلام لتبلغ السلطة بذلک غايتها في عزل الإمام عليه السلام عن قواعده وإبعاده عنها فکانت السلطة تعمل جاهدة لعزل القواعد الشعبية للإمام عليه السلام عن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فکان الفرد منهم يعاني الخوف والفقر والمرض من دون أن يجد ناصراً أو معيناً له [4] .

ويتّضح لنا من الظروف المحيطة بالإمامين الهادي والعسکري عليهما السلام وموقفهما إزاءها ونشاطهما الخاص تجاه قواعدهما الشعبية أن کلاً منهماعليهما السلام لم يکن مکرّساً مواقفه وتحرّکه ونشاطه للاستيلاء علي السلطة، وإنّما کان غاية ما يسعي إليه الإمام عليه السلام هو رعاية مصالح أصحابه وإدارة شؤونهم. وبالرغم من وضوح عدم التصدي لاستلام السلطة فإنّ السلطة - بمختلف مستوياتها - کانت تُثار بذلک النشاط مع ما يضاف اليه من وهمها الخاطئ باحتمال مطالبة الإمام عليه السلام بحقّه المشروع المستلب من قبل السلطة غير الشرعية.

من هنا کانت السلطة تبذل الجهود الجبارة ضدّ أي تحرّک من الإمام عليه السلام وأي نشاط له [5] ، بالرغم من ذلک کلّه وبالرغم من سياسة المراقبة والتقريب الي البلاط فقد استطاع الإمامان عليهما السلام أن يخفيا نشاطهما واتصالهما بقواعدهما الشعبية، وبذلک أمِنا قسطاً کبيراً من الاضطهاد الذي کان يمکن أن يصيبهما وأصحابهما من السلطة، کما حقّقا کثيراً من المصالح التي کان يستحيل تحقيقها لولا اُسلوبهماعليهما السلام في تجاوز عيون السلطان وأساليبه في المواجهة للحدّ من نشاط وتحرّک الإمام عليه السلام واتصاله بمواليه وشيعته.

ولا تعني إجراءات السلطة وتعسفها تجاه الإمام عليه السلام أنها کانت تجهل أحقّيته ومنزلته العالية، فالسلطة بمختلف طبقاتها وموظفيها وأهل الأمرالنافذ فيها، وعلي تفاوتهم في التعصب أو حسن التفکير، کانوا يعرفون في قرارة أنفسهم حق الإمام عليه السلام وعلوّ منزلته ويعتبرونه خيرخلق اللَّه في عصره؛ وذلک لما عُرف به من العبادة والعلم والزهد في الدنيا والأخلاق الحميدة والنسب الشريف، فهو سليل الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله، ولا يختلف في ذلک الموالون عن غيرهم، ولا الخلفاء عمّن سواهم، فنري الخليفة المعتمد العباسي إبّان إحساسه بالضعف يأتي الي الإمام العسکري عليه السلام بنفسه، فيجيبه الإمام الي طلبه ويدعو له وکانت خلافته عشرين سنة بفضل دعاء الإمام عليه السلام.

ونلاحظ أنّ المعتمد العباسي - الذي عاصر بداية أيام الإمام المهدي عليه السلام - هو الذي تصدّي للفحص عن ترکة الإمام وورثته ومراقبة الحوامل من نسائه، وإن ذلک لدليل لعدم معرفته للحق وخشيته علي عرشه وسلطته؛ لعلمه أنّ المهدي عليه السلام هو الإمام القائم بالحق المقيم للعدل، والمزيل لعروش الظالمين والطغاة، وقد روي المسلمون بمختلف فِرَقهم ومذاهبهم ذلک عن النبي صلي الله عليه وآله.

إنّ الاعتقاد بوجود المهدي عليه السلام وظهوره من القضايا التي کانت قد انتشرت بين المسلمين؛ وذلک للتبليغ المستمر بها منذ زمان النبي صلي الله عليه وآله الي زمان الإمام العسکري عليه السلام، ففي الوقت الذي کان يبلّغ فيه الإمامان الهادي والعسکري عليهما السلام عن غيبة الإمام المهدي عليه السلام، کان يکتب البخاري ومسلم وأبوداود وابن ماجة في صحاحهم أخبارهم التي کانوا يروونها عن الرسول الأعظم صلي الله عليه وآله جيلاً بعد جيل [6] .

وقد مارس الإمامان العسکريان عليهما السلام التمهيد المباشر لغيبة الإمام المهدي عليه السلام وذلک لکي يعتاد أصحابه فکراً وسلوکاً عليها، وکان ذلک التمهيد باتّخاذ نظام الوکلاء أوّلاً، وتخطيطهم للاحتجاب عن الناس ثانياً.

وسوف يتحقّق کلا الأمرين في الغيبة الصغري للإمام المهدي عليه السلام فالإمام الهادي عليه السلام لا يعلن بصراحة عن إمامة ولده الحسن العسکري عليه السلام إلّا قبيل وفاته، وأن إجراءاته حول غيبة الإمام المهدي عليه السلام لم تکن أوسع ممّا اتّخذه الإمام العسکري عليه السلام الذي تکفّل بالقسط الأکبر فيما يتعلّق بالتمهيد للغيبة فهو والده مع قرب وقوع الغيبة، ونخلص الي ما أوجزناه عن ظروف الإمامين عليهما السلام - العامة والخاصة - التي سبقت ولادة الإمام المهدي عليه السلام وتزامنت مع ولادته، وهي عموماً تفصح عن سبب إخفاء ولادته وشخصه عن عموم الناس من قبل الإمام العسکري عليه السلام.


پاورقي

[1] المسعودي، مروج الذهب: 84:4.

[2] الفضل بن الحسين، الطبرسي: 131:2.

[3] المناقب، ابن شهر آشوب: 505:3.

[4] الغيبة الصغري، محمد الصدر: 239.

[5] يراجع المناقب ج3، إثبات الوصية للمسعودي حول مواقف السلطة وتحرّکها ضد الإمام عليه السلام وقواعده الشعبية.

[6] الغيبة الصغري، محمد الصدر ص241 - 240.