بازگشت

ظروف الولادة


أين ومتي، وکيف ولده مَن رآه؟

إنّ الواقع التاريخي والأحداث التي تخللت ولادته أو سبقتها أو الروايات التي تحدثت عن ولادته تشکل مفردة يحصل بواسطتها اليقين من أن الإمام عليه السلام قد ولد حقاً.

قال الإمام الصادق عليه السلام: إنّه لا يموت منّا ميت حتي يُخلّف من بعده من يعمل بعمله ويسير بسيرته ويدعو الي ما دعا إليه [1] .

وقال عند ذکر اُولي صفات القائم عليه السلام وعلاماته:

هو خفيّ المولد والمنشأ، غير خفّي في نفسه [2] .

وقد ولد هکذا - معلناً عنه، مستورة ولادته - في سرّ من رأي في العراق، نظيفاً منظّفاً، مفروغاً منه، مختوناً - کما هو شأن کل إمام - يتلقي الأرض بمساجده السبعة. وکان ذلک عند بزوغ الفجر من صبيحة يوم الجمعة في النصف من شبعان سنة 255 هجرية. وتناولته السيدة حکيمة، عمة أبيه، بنت الإمام الجوادعليه السلام وناولته لأبيه، وکان مکتوباً علي عضده بالنور: جاء الحق وزهق الباطل! [3] .

وقد جاء عن الإمام الرضاعليه السلام قوله:

سقط من بطن اُمه جاثياً علي رکبتيه، رافعاً سبابته نحو السماء، ثم عطس فقال: الحمدللَّه رب العالمين، وصلّي اللَّه علي محمد وآله، عبد ذاکر للَّه، غير مستنکف ولا مستکبر. زعمت الظلمة أنّ حجة اللَّه داحضة. ولو اُذن لنا في الکلام لزال الشک [4] .

وکان يومئذٍ في مدينة قم منجّم يهودي مشهور، قصد أحمد ابن إسحاق وکيل أبيه العسکري في قم وصاحبه الجليل وقال له: قد ولد مولود في وقت کذا، فاعمل له ميلاداً وطالعاً. فنظر اليهودي في الطالع وعمل عملاً وقال لابن إسحاق: لست أري النجوم تدلّني فيما يوجبه الحساب... لا يکون هذا المولود إلّا نبيّاً أو وصيّ نبيّ. وإن النظر يدلني علي أنّه يملک الدنيا شرقاً وغرباً، وسهلاً وجبلاً، حتي لا يبقي علي وجه الأرض أحد إلّا دان له وقال بولايته! [5] .

فقد ولد المهدي أيها المتقوّلون، ووافق علي ولادته الخاص والعامّ، وإن کانوا قد اختلفوا نظريّاً في بقائه حيّاً طويل العمر.

نعم، ولد باعتراف کتب التاريخ حتي المزوّرة للأخبار... وقد حصل ذلک في بيت أبيه العسکري عليه السلام الماثل للعيان حتي اليوم في سامراء، مزاراً مقدساً ومنارة مشعّة. ولذلک قال بإمامته کل القائلين بإمامة أبيه بعد أن رأوا آياته ومعجزاته کما ستري... فمن أنکره من بعد ما علمه فقد أنکر رسول اللَّه صلي الله عليه وآله ومن عرفه وآمن به وصدّق ولم يکترث بغير ذلک من الأقوال المضلّة عن الحق.

ولو لم يکن لأبيه ولد - کما شوّش الأعداء وهوّشوا - فلماذا کبس جيش الخليفة دار أبيه مراراً، وفتشها بکل دقة، مرة ليقبض عليه ويقتله وأخري ليقبض علي اُمه الحبلي وليحبسها حتي تضع في غياهب السجون فيذبح وليدها متي وضعته، بعد أن أدخلت القوابل في ذهن الخليفة أن اُم المهدي لا تزال حبلي!!«ومکروا ومکر اللَّه، واللَّه خير الماکرين».. [6] فاسأل بذلک الزبيري الذي کان من جلاوزة سلطة الحاکم، والذي کان شديد العداوة للعسکري عليه السلام يتمني لو تسنّي له أن يقتله قبل أن يولد له ولد، ليکذّب شيعته في عقيدتهم بأن العسکريّ عليه السلام لابد أن ينجب إماماً منتظراً يقوّض عروش الظلم، اسأل بذلک ذاک الزبيريّ الحقود الذي سلّط اللَّه عليه من قتله قبل أن تتم مکائده، فقال العسکري عليه السلام حين بلغه خبر قتله: هذا جزاء من افتري علي اللَّه تبارک وتعالي في أوليائه!. زعم أنّه يقتلني وليس لي عقب! فکيف رأي قدرة اللَّه عزّ وجل؟» [7] .

أجل، ولد، وولدته نرجس [8] بنت يشوعا بن قيصر ملک الروم، التي اُمها من ولد الحواريين، تُنسب الي شمعون وصي المسيح عليه السلام، سارت مع جيش أبيها متنکرة في زي الخدم مع عدة من وصائفها ليداوين الجرحي في حرب من حروب المسلمين في جنوب شرق أوربا، فصادفتهنّ طلائع جيش المسلمين بعد هزيمة جيش العدو، فأخذتهن أسيرات وما أحس أحد بأنها بنت قيصر.

وعندما عرضت للبيع مع السبايا غيرت اسمها وقالت: اسمي نرجس، لأنه اسم تتسمي به الجواري، وکان والدها قد علّمها لغات مختلفة من جملتها اللغة العربية التي استمرّ لسانها عليها وألفها واستقام لها جيداً... وکان ذلک في أيام الإمام الهادي عليه السلام فکلّف أحد أصحابه [9] بشرائها حين وصلت إليه قصتها وعرف بإبائها أن تُباع لمن عرضوا عليها، لا أن کان يعلم أنها مرصودة لولده، فتمّ ذلک واشتراها صاحبه واحضرها إليه، فکلّف خادمه کافوراً أن يستدعي له اُخته السيدة الجليلة حکيمة، فجاءت فقال لها:ها هيهْ [10] ، فخذيها وعلّميها الفرائض فإنها زوجة ابني أبي محمد واُم القائم عليه السلام!

فهل فکر امرؤٌ بقول الهادي عليه السلام هاهيهْ؟. وهل علم القارئ حلّاً للغز هذه اللفظة؟ لا، فمن المؤکد أن الإنسان لا يفکر بهذه السرعة ليعلم المقصود.. فهاهي تدل علي أن اُم القائم عليه السلام کانت معروفة في بيت الهادي بذاتها وصفاتها، وکانت منتظرة، والبيت کلّه علي موعد معها، يعني أنها ليست غريبة علي سمع الهادي ولا علي سمع اُخته وأهل بيته، لأنها ليست ککل سبيّة تُباع وتُشتري! نعم إنها لکذلک: يعرفها أهل البيت، ويعرف الإمام العاشر کامل قصتها وظروف وصولها الي بيته بعهد معهود متوارث عن رسول اللَّه صلي الله عليه وآله. وکانت هذه الفتاة الشريفة قد رأت في منامها - وهي في بيت أبيها - أنّ النبي محمدصلي الله عليه وآله قد حضر الي بيتها مع بنته الزهراءعليها السلام وجلس الي عيسي بن مريم عليهما السلام وجلست الزهراء الي مريم بنت عمران عليها السلام ثم خطبها النبيّ من المسيح لولده الحسن العسکري، ثم رأت کأن الزهراء ارتها صورة العسکري وعرفتها قدره وعلمتها کيف تصل إليه.. [11] فأفاقت من هذا الحلم الذهبي الذي أخذ بمجامع قلبها وأنار طريق حياتها وخلع عليها بهجة وأملاً عظيماً، أفاقت لتتدبّر أمر وصولها الي خاطبها العظيم کما علّمتها سيدتها الزهراء، ولتجعل الحلم حقيقة واقعة.. وهکذا کان. وکان أن وصلت الي بغداد مع السبايا، وعُرض عليها من عرض فرفضت أن تباع لأحد حتي تلقت فيما تلقت رسالة الإمام الهادي عليه السلام فعرفت صاحبها، ووافقت، وأمرت النخّاس أن يجري البيع لصاحب الرسالة... ثم وصلت الي بيت أَذن اللَّه أن يرفع ويذکر فيه اسمه [12] .


پاورقي

[1] الکافي: 397:1.

[2] الغيبة للنعماني: 88، منتخب الأثر: 288 عن الرضاعليه السلام ومثله في کشف الغمة: 314:3.

[3] مثير الأحزان ص 296، کشف الغمة: 310:3.

[4] کشف الغمة: 288:3، منتخب الأثر: 341، الغيبة للطوسي: 147 عن الکاظم عليه السلام وکذلک في بحار الأنوار: 4:51، إعلام الوري: 395، إلزام الناصب: 100، المحجة البيضاء: 245:4.

[5] بحار الأنوار: 23:51.

[6] آل عمران: 54.

[7] بحار الأنوار: 4:51، اعلام الوري: 414، الإرشاد: 329.

[8] ذکر المؤرخون لها أسماء کثيرة، هي: مليکة، سوسن، حکيمة، خمط، مريم، ريحانة،سبيکة، صقيل، ونرجس، راجع: شرح النهج ج2 ص 179، بحار الأنوار: 10 - 6 :51 و361، الإمام المهدي: 8 و 341، کشف الغمة: 265:3، منتخب الأثر: 320، الغيبة للطوسي: 128 - 124، حيث تجد قصة اُمه الشريفة ذات الأصل الباذخ. بل تجدها في أکثر مصادر هذه الصفحة، وفي ينابيع المودّة: 62:3 و 113 و 116.

[9] هو مولاه الذي يُدعي بشر بن سليمان النخاس، وهو من نسل أبي أيوب الأنصاري. اُنظر مثير الأحزان ص290 و 291.

[10] راجع الغيبة للطوسي: 128، إلزام الناصب: 94 - 92، مثير الأحزان: 294 - 290 ففيها جميعها کامل القصة.

[11] بحار الأنوار: 10 - 6 :51، جامع الأخبار: 23، مثير الأحزان: 295 - 291 تجد فيها تمام القصة، کمال الدين للصدوق: 424:1 وما بعدها.

[12] وقد کانت الرسالة باللغة الرومية، اُنظر إلزام الناصب: 92 وغيره من المصادر.