بازگشت

کيفية التحقيق العلمي في ولادته


إنّ التشکيک بولادة الإمام المهدي سلام اللَّه عليه، بمعني أن يقال: نحن نسلّم بهذه الفکرة وأنّه سيظهر شخص، لکن هذا الشخص لا يلزم أن يکون هو الإمام المهدي، ولا يلزم أن يکون مولوداً الآن، ولا يلزم أن يکون قد غاب، ولعلّه يولد في المستقبل والآن غير موجود، ولا توجد غيبة فکيف نتمکن أن نثبت ولادة الإمام المهدي الآن وأنه قد تحققت ولادته؟ انّ المهم هو إثبات هذا الموضوع، ونحاول أن نثبت ولادة الإمام المهدي من خلال التواتر، کما يمکن أيضاً أن يکون عن طريق حساب الاحتمال.

التواتر يعني: أن يخبر بالقضية مجموعة کبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم علي الکذب، فإذا کان خبر من الأخبار جاء به ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص أخبرونا به، وکلّ واحد نفترضه من مکان غير مکان الآخر، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم علي الکذب، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر.

هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.

نفترض أن الخبر ليس متواتراً، کما إذا أخبر به واحد أو إثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر، ولکن انضمّت الي ذلک قرائن من هنا وهناک، يحصل العلم بسببها علي مستوي حساب الاحتمال.

فلنفترض أنّ هناک شخص مصاب بمرض عضال، وجاء شخص وأخبر بأنّ فلاناً قد شفي من مرضه، يحصل احتمال أنّه شفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلاً، لکن إذا انضمّت الي ذلک قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين الي أربعين والي خمسين والي أکثر، افترض أننا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلک وکان حينما يحضر في مکان يستعمل الدواء، فهذا يقوّي احتمال الشفاء، وإذا کانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الآن ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلاً، وأيضاً شاهدناه يجلس في المجلس ضاحکاً مستبشراً، هذه الظاهرة أيضاً تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر، وهکذا حينما نضمّ قرائن من هذا القبيل، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر الي أن تصل الي درجة مائة بالمائة.

هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبراً متواتراً، لکن لانضمام القرائن حصل العلم.

فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال، يعني بتقوّي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن.

إذن، فحصول العلم بأي قضية تاريخيّة يتمّ من خلال تواتر أو حساب الاحتمال عن طريق جمع القرائن.

أما القضية الثانية، لا يلزم في الخبر المتواتر أن يکون المخبر من الثقات، فإن اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر، کما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية، هنا يشترط أن يکون المخبر - لأجل أن يکون هذا الخبر حجة - عادلاً، أما لو کانت القضية أخبر بها مائة أو مائتان أو ثلاثمائة، يعني العدد کان يشکّل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر؟ فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.

وأرجو أن لا يحصل خلط في هذه القضية بين الخبر المتواتر وبين الخبر غير المتواتر، إذ البعض يتصور أن مسألة الوثاقة ومسألة عدالة الراوي يلزم تطبيقها حتي في الخبر المتواتر، هذا غير صحيح، بل الذي نشترط فيه العدالة والوثاقة هو الخبر غير المتواتر.

لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة؟

النکتة هي: إنّ الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم، لکثرة المخبرين، وبعد ما أفاد العلم لا معني لاشتراط الوثاقة والعدالة، إذ المفروض أنّ العلم حصل، وليس بعد العلم شي ء يُقصد، فلا معني إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم.

وعلي أساس هذه القضية ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي الي الروايات الدالة علي ولادة الإمام المهدي عليه السلام أو أي قضية ترتبط بالإمام المهدي سلام اللَّه عليه ونقول: هذه الرواية ضعيفة السند، الرواة مجاهيل، هذا مجهول أو ذاک مجهول، هذه الرواية الاُولي إذن نطرحها والرواية الثانية الراوي فيها مجهول إذن نطرحها، والثالثة کذلک، الرابعة هکذا و...

هذا ليس بصحيح، فإن هذا يکون صحيحاً لو فرض أن الرواية کانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر، أما بعد فرض أن تکون الروايات الدالة علي ولادة الإمام المهدي سلام اللَّه عليه قد بلغت حدّ التواتر، فلا معني أن نقول هذه الرواية والثالثة هکذا، فإن هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر، أما في الخبر المتواتر فلا معني لها.

أما القضية الثالثة، إذا فرض أن لدينا مجموعة من الأخبار تختلف في الخصوصيات والتفاصيل، لکن الجميع يشترک في مدلول واحد من زاوية، کما لو فرضنا أنه جاءنا مجموعة کبيرة من الأشخاص يخبرونا عن تماثل ذلک الشخص المريض للشفاء، لکن الشخص الأول جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة، والثاني حينما جاء أخبرنا بالشفاء أيضاً لکن في الساعة الثانية، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لکن في الساعة الثالثة، فاختلفوا في رقم الساعة، لکن الکلّ متفق علي أنّه قد شفي، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لکن بهذا الدواء، والآخر قال بذلک الدواء، فکان الاختلاف بمثل هذا الشکل، أي: اختلاف في الخصوصيات، لکن الکلّ متفق علي أنه قد شفي.

في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء؟

نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم.

والنکتة في ذلک، أن المخبر الأوّل في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد: الخبر الأول الذي يخبر به أنّه شفي، والخبر الثاني أنه شفي في الساعة الأولي، الثاني حينما يخبر أيضاً يخبر بأنه شفي، والثالث حينما يخبر أيضاً يخبر بأنّه شفي، إذن هم متفقون في الإخبار الأوّل أنه شفي، لکن يختلفون في الإخبار الثاني، إذن في الإخبار الأوّل التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.

ومن هنا نخرج بهذه النتيجة: إنّ الأخبار الکثيرة إذا اتفقت من زاوية علي شي ء معيّن فالعلم يحصل بذلک الشي ء، وإن اختلفت هذه الأخبار من الجوانب الأخري في التفاصيل.

وبعد هذافليس من حقّنا أن نناقش في روايات الإمام المهدي عليه السلام ونقول: هذه مختلفة في التفاصيل، واحدة تقول بانّ اُم الإمام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أن اُم الإمام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شي ء ثالث، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلک الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنّة والاُخري تقول في السنّة الاُخري، فعلي هذا الأساس لا يمکن الأخذ بهذه الروايات، وليست متواترة وليست مقبولة، لأنها تختلف في التفاصيل، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الإمام سلام اللَّه عليه، لأنها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشکل.

إنّه باطل، لأن المفروض أن کل هذه الأخبار متفقة في جانب واحد، وهو الإخبار بولادة الإمام سلام اللَّه عليه، ولئن اختلفت فهي مختلفة في تفاصيل وخصوصيات اُخري، لکن في أصل ولادة الإمام هي متفقة، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.

أما القضية الرابعة، وهي ليس من حق أي شخص أن يجتهد في مقابل النص، فإذا کان عندنا نصّ صريح الدلالة وتام السند من کلتا الجهتين، فلا يحق لأحد أن يأتي ويقول أنا اجتهد في هذه المسألة.

فاللَّه عزّ وجل يقول:«وأقيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزّکاةَ» [1] ، وهذه الآية بوضوح تدلّ علي الطلب، غاية ما في الأمر ليست صريحة في الطلب الوجوبي، لکن في أصل - طلب الصلاة وطلب الزکاة - دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه.

فلا يحق لأحد أن يقول: أنا اُريد أن اجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل علي الطلب!! ليس له هذا الحق، وهذا يسمونه اجتهاداً في مقابل النصّ.

نعم إذا کان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل علي الوجوب بل تدل علي الاستحباب، فهذا جيد، لأن الدلالة ليست صريحة علي الوجوب، أما أن يجتهد في الدلالة علي أصل الطلب ويقول أنا اجتهد وأقول لا تدل هذه علي أصل الطلب في رأيي فهذا لا معني له، لأنّ دلالتها علي الطلب صريحة والسند أيضاً قطعي.

علي ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضاً: ليس من حق أحد أن يقول أنا أجتهد في روايات الإمام المهدي، اجتهد کما يجتهد الناس في مجالات اُخري، هذا لا معني له، لأنّ الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد، وسندها متواتر، فالاجتهاد هنا إذن لا معني له أيضاً، فإن للاجتهاد مجالاً إذا فرض أن الدلالة لم تکن صريحة أو السند لم يکن قطعياً، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة، فالاجتهاد لا معني له، فإنّه اجتهاد في مقابل النص، وهذه قضية واضحة أيضاً [2] .


پاورقي

[1] البقرة: 43.

[2] استفدنا هذا الفصل من البحث القيّم لسماحة الشيخ محمد باقر الايرواني بعنوان«الإمام المهدي بين التواتر وحساب الاحتمال».